تكشف تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن “إحراز تقدم ملحوظ” في محادثات الرهائن عن أنها محاولة مزدوجة: من جهة، تهدف هذه التصريحات إلى احتواء الغضب الشعبي والضغط المتصاعد من أسر الرهائن، ومن جهة أخرى تعكس على الأرجح تحركاً دبلوماسياً حقيقياً، لكنه لا يزال هشاً ومحاطاً بعدم اليقين.
ضغوط أسر الرهائن
فعلى المستوى الداخلي، يتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة من أسر الرهائن الذين باتوا أكثر صخباً في مطالبهم بعودة ذويهم، ويطالبون الحكومة بالتحرك الجاد بعيداً عن الحسابات السياسية أو الأجندات الحزبية. وقد خرجت خلال الأسابيع الماضية تظاهرات متكررة في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بإبرام صفقة تبادل، ووقف الحرب، على الأقل مؤقتاً، لإعادة الرهائن.
كذلك يواجه نتنياهو ضغوطاً متعارضة من شركائه في الائتلاف اليميني، الذين يدفعون باتجاه مواصلة الحرب وعدم تقديم تنازلات قد تُفهم كضعف. في هذا السياق، تأتي تصريحاته الأخيرة بمثابة محاولة لتهدئة الجبهتين، من خلال الإيحاء بأن الحكومة تبذل جهوداً جدية، دون أن يذهب بعيداً في الوعود.
ضغط أميركي
أما على المستوى الدبلوماسي، فإن الحديث المتكرر من مسؤولين أميركيين وإسرائيليين عن تقدم ما، رغم النفي المتوازي لأي انفراجة وشيكة، يوحي بوجود تحركات ملموسة، ربما ليست نهائية ولكنها كافية لتبرير اللهجة الحذرة. ووجود ضغط أميركي واضح، بحسب مصادر مطلعة، يعزز فرضية أن نتنياهو لا يتحرك من فراغ، وإنما في ظل تنسيق مع واشنطن، التي تُقدم ضمانات لحماس وتبحث عن صيغة تحفظ ماء وجه الطرفين.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل أن تصريحات نتنياهو لم تتضمن أي تفاصيل، وأنه تعمّد استخدام لغة مبهمة مثل “من السابق لأوانه الحديث عن آمال”، مما يعكس رغبته في ضبط التوقعات الداخلية، ومنع موجة تفاؤل قد تتحول لاحقاً إلى خيبة.
من جهة أخرى، تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر التي جاءت منسجمة مع نتنياهو، وإن كانت أكثر تحفظاً، تشير إلى وجود حديث منسق داخل الحكومة بشأن نغمة الخطاب المرتبطة بالرهائن والمفاوضات. وفي العادة، عندما يتطابق خطاب نتنياهو مع وزراء في حكومته لا يُعرفون بولائهم الكامل له، فإن هذا قد يكون مؤشراً على وجود معلومة استراتيجية يجري التعامل معها بحذر إعلامي.
تهدئة الشارع الإسرائيلي
كل هذه المعطيات تقود إلى خلاصة مزدوجة: نعم، هناك على الأرجح تقدم في المفاوضات، لكن التصريحات في هذه المرحلة تُوظف أيضاً كأداة سياسية داخلية، تهدف إلى تهدئة الشارع الإسرائيلي وتبريد الاحتقان دون تقديم التزامات واضحة. فالواقعية السياسية تفرض على نتنياهو التريث، لا سيما في ظل تعقيد الوضع العسكري والسياسي في غزة، والانقسامات الحادة داخل ائتلافه، والضغوط الأميركية المتصاعدة.
بالتالي، لا يمكن فصل هذه التصريحات عن السياق السياسي الداخلي، لكنها في الوقت ذاته ليست مجرد مناورة إعلامية فارغة، بل جزء من إدارة دقيقة لأزمة معقدة تتشابك فيها الحسابات الإنسانية والاستراتيجية والسياسية على نحو غير مسبوق.