تعيش الضفة الغربية تحت ضغط مزدوج: تصعيد عسكري متواصل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتكثيف غير مسبوق لانتهاكات المستوطنين، ما يضع السكان الفلسطينيين في مواجهة دائمة مع سياسات العقاب الجماعي والتهجير القسري. الحادثة الأخيرة في مخيم جنين، حيث تم التنكيل بعجوز من ذوي الإعاقة، ليست سوى صورة مصغّرة لمعاناة يومية تتكرّر في مختلف مناطق الضفة، وتؤكد أن الاحتلال لم يعد يميّز بين طفل أو مسن، ولا يحترم أبسط قواعد القانون الإنساني الدولي.
جنين تحديدًا باتت أشبه بمنطقة عسكرية مغلقة منذ أكثر من 113 يومًا، في حملة يبدو أنها تهدف لتفريغ المخيم من سكانه تدريجيًا عبر إرهابهم اليومي، وخلق واقع أمني يجعل الحياة غير ممكنة. إطلاق الرصاص الحي، مداهمة المنازل، وتدمير البنية التحتية، كلها أدوات ممنهجة تُستخدم بهدف كسر صمود الأهالي وفرض واقع جديد بالقوة. الاعتداء على العجوز المعاق في جنين ليس فقط عملًا وحشيًا، بل يُعدّ مؤشرًا على سياسة الإذلال والإرهاب النفسي التي يمارسها الاحتلال تجاه الفئات الأكثر ضعفًا.
هدم المنازل
في الخليل، كما في بيت لحم ونابلس وطولكرم والقدس، تتكرر ظاهرة هدم المنازل بذريعة “البناء غير المرخص”، وهي حجة تستخدمها سلطات الاحتلال للتضييق على الوجود الفلسطيني، خاصة في المناطق المصنفة “ج”. فالترخيص، من حيث المبدأ، تكاد استحالته تُعدّ سياسة بحد ذاتها، حيث ترفض إسرائيل منح التراخيص للفلسطينيين، ثم تستخدم عدم الترخيص كذريعة للهدم. النتيجة أن مئات العائلات تُترك فجأة في العراء، دون بديل، وسط ظروف اقتصادية وإنسانية خانقة.
الوضع الإنساني في الضفة بعد كل عملية هدم يتحول إلى مأساة حقيقية. العائلات التي تفقد منازلها تجد نفسها مضطرة للعيش في خيام مؤقتة أو التنقل بين أقارب، بينما الأطفال يفقدون الإحساس بالأمان، وتُسحق مشاعر الاستقرار والطمأنينة تحت جنازير الجرافات العسكرية. المشهد لا يقل كارثية عن غزة، رغم أن الطائرات لا تحلّق هنا. فالاحتلال في الضفة يعمل بطريقة أخرى: ببطء، ولكن بإصرار، كمن يمارس “القتل بالتنقيط”.
الاعتقالات الليلية
وفي موازاة ذلك، تواصل قوات الاحتلال سياسة الاعتقالات الليلية المكثفة، والتي لا تفرّق بين ناشط أو شاب عادي، وتستخدمها كأداة لبث الخوف وتفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني. الاعتقالات في نابلس، طولكرم، بيت لحم، والقدس، أصبحت روتينًا يوميًا، تزداد معه معاناة الأهالي الذين يعيشون على أعصابهم كل ليلة.
في خلفية هذا المشهد، يُلاحظ اتساع رقعة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، تحت حماية شرطة الاحتلال، ما يعزز الاعتقاد بأن ما يجري في الضفة ليس فقط حملة أمنية، بل مشروع سياسي استيطاني متكامل يهدف لتوسيع السيطرة اليهودية وتهجير الفلسطينيين، في ما يُشبه عملية “تطهير زاحف” للضفة الغربية.
صمت عربي ودولي
التقارير الفلسطينية تؤكد أن أكثر من 962 فلسطينيًا استشهدوا في الضفة الغربية منذ بداية العدوان على غزة، إضافة إلى آلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين، ما يعني أن الضفة أصبحت ساحة حرب غير مُعلنة، تدور بوسائل غير تقليدية، ولكن بنتائج مأساوية ومدمّرة.
وفي ضوء هذا الواقع المأساوي، يقف الفلسطيني اليوم ما بين أنقاض منزله، وبين جنازة قريبه، أو داخل زنازين الاحتلال، محاطًا بصمت دولي مخزٍ، وعجز عربي لا يُحتمل. الصمود في الضفة لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية في وجه مشروع لا يترك مجالًا للحياة.