إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار بشكل مباشر على وفد دبلوماسي خلال زيارته لمخيم جنين، يمثّل تطورًا خطيرًا يتجاوز حدود العدوان التقليدي، وينقل الصراع إلى مرحلة من التمادي الصريح في انتهاك القانون الدولي، والاستهتار الكامل بالأعراف الدبلوماسية. هذا التصعيد يكشف ليس فقط حجم الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون يوميًا، بل أيضًا جرأة الاحتلال على تحدي العالم بأسره دون أدنى خوف من المحاسبة أو الردع.
لا احترام لأي تمثيل دبلوماسي
زيارة الوفد الدبلوماسي، الذي ضم سفراء من دول عربية وأجنبية، كانت تهدف إلى الاطلاع على الواقع الميداني الكارثي في جنين، المدينة التي تحوّلت إلى ساحة حرب حقيقية بفعل الاقتحامات اليومية، والدمار الشامل للبنية التحتية، والنزوح الجماعي لآلاف العائلات. أن يستهدف هذا الوفد بالرصاص الحي، ليس مصادفة أو “خطأ ميدانيًا”، بل هو رسالة سياسية واضحة من حكومة الاحتلال: لا حصانة لأحد، ولا احترام لأي تمثيل دبلوماسي، ولا نية لوقف العدوان.
في هذا السياق، يتجاوز الأمر مجرد حادث أمني، ليصل إلى مستوى “الصفعة السياسية” للمجتمع الدولي. فإسرائيل لم تطلق النار على مدنيين فحسب، بل على ممثلين رسميين لدول أخرى، يفترض أنهم يتمتعون بحصانة دبلوماسية وفق اتفاقية فيينا لعام 1961. وهذه الخطوة تمثل استخفافًا صارخًا بالمنظومة القانونية الدولية، وتحديًا للمجتمع الدولي بأن الاحتلال لم يعد يخشى شيئًا، وأنه مستعد لارتكاب أي فعل، حتى لو كان ضد ممثلي الدول نفسها التي تموّله أو تتواطأ معه بالصمت.
تحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية
الوضع في جنين، كما في سائر شمال الضفة الغربية، بات ميدانا مفتوحا لتجريب أسوأ أشكال العقوبات الجماعية. الاقتحامات، الهدم، الاعتقالات، تحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية، والآن إطلاق النار على الوفود الرسمية، كلها خطوات تؤكد أن إسرائيل قررت توسيع رقعة حربها، ليس فقط على غزة، بل على كل ما تبقى من الوجود الفلسطيني، مدنيًا ومؤسساتيًا وسياسيًا.
المفارقة المؤلمة، أن استهداف الوفد الدبلوماسي تزامن مع عرض محافظ جنين أمامهم لحجم الكارثة الإنسانية والاقتصادية التي تعاني منها المدينة والمخيم، من نزوح وتدمير وملاحقة جماعية. وكأن الاحتلال أراد أن يُظهر بوضوح أنه لا يعبأ حتى بمحاولات نقل الصورة للعالم، وأنه قادر على إسكات أي شاهد، حتى لو كان يحمل جوازًا دبلوماسيًا.
فضيحة أخلاقية وسياسية
لكن الأهم أن هذا الحدث يضع العالم، وخاصة الدول التي ينتمي إليها أعضاء الوفد المستهدف، أمام اختبار حقيقي. الصمت أو الاكتفاء بالإدانة اللفظية لم يعد كافيًا. ما لم تكن هناك إجراءات حقيقية ورادعة ضد إسرائيل، فإن العالم يبعث برسالة معاكسة تمامًا: أن إطلاق النار على دبلوماسيين مقبول، طالما كانت إسرائيل من يفعل ذلك.
ما يجري في جنين ليس مجرد تطور أمني، بل انحدار خطير نحو مرحلة جديدة من العدوان، عنوانها الرئيسي: لا خطوط حمراء، ولا اعتبارات دولية، فقط القوة والعقاب الجماعي. وهذه ليست فقط مأساة فلسطينية، بل فضيحة أخلاقية وسياسية للمنظومة الدولية بأسرها.