تُعد الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك من قِبل المستوطنين، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، تصعيدًا خطيرًا يعكس دلالات متعددة تتجاوز مجرد استفزاز للمشاعر الدينية، لتمس جوهر الصراع في القدس المحتلة. فما حدث اليوم الثلاثاء، في 10 يونيو، من دخول عشرات المستوطنين في مجموعات لتنفيذ جولات استفزازية وأداء طقوس تلمودية في باحات الأقصى، ليس حادثًا معزولًا، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض.
تغيير الوضع التاريخي للمسجد الأقصى
إن استمرار اقتحام باحات الأقصى بشكل مستمر، وتزايد وتيرة هذه الاقتحامات، يشير بوضوح إلى نية الاحتلال في تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى. فالأقصى، بكامل باحاته ومرافقه، هو وقف إسلامي خالص، والاقتحامات المتكررة تُعد انتهاكًا صارخًا للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولجميع المواثيق والقرارات الدولية التي تؤكد على الوضع القائم. إن السماح للمستوطنين بأداء طقوس تلمودية داخل باحات المسجد، خاصة بعد التعديلات التي أقرها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، والتي تتيح لهم ذلك، يُمثل خطوة متقدمة نحو تهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، مما يهدد بتفجير صراع ديني واسع النطاق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستمرار في استفزاز مشاعر المسلمين، عبر هذه الاقتحامات والطقوس الاستفزازية، يهدف إلى إثارة ردود فعل عنيفة من جانب الفلسطينيين، واستغلالها لتبرير المزيد من القمع والاعتقالات والتضييق على المصلين. هذه الاستفزازات ليست عفوية، بل هي جزء من أجندة سياسية تُغذّيها جماعات المستوطنين المتطرفة، والتي تسعى إلى فرض سيطرتها الكاملة على المسجد الأقصى.
تواطؤ ودعم مباشر سلطات الاحتلال
إن نشر دعوات لاقتحام جماعي يتخلله أداء طقوس غنائية ورقصات، يُظهر مدى استخفاف هذه الجماعات بمشاعر المسلمين وقدسية المكان، ويُرسل رسالة تحدٍ واضحة للمجتمع الدولي الذي لطالما حذر من المساس بالوضع القائم في القدس.
إن حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي لهذه الاقتحامات، بدلاً من منعها، يُؤكد على أن هذه الممارسات تتم بتواطؤ ودعم مباشر من قبل سلطات الاحتلال. هذا الدعم يُشجع المستوطنين على المضي قدمًا في مخططاتهم، ويُشعرهم بالإفلات من العقاب، مما يُفاقم من حدة التوترات ويهدد بتحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني مفتوح. وفي ظل غياب أي رد فعل دولي حاسم لوقف هذه الانتهاكات، فإن المشهد في المسجد الأقصى يُنذر بتداعيات خطيرة، قد تتجاوز حدود القدس لتمتد إلى المنطقة بأسرها.