تصريحات رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، تعبّر عن موقف سياسي واضح يشير إلى تحول نوعي في خطاب القيادة الفلسطينية، ليس فقط في توصيف طبيعة الممارسات الإسرائيلية، بل في قراءة أعمق لأهداف هذه الممارسات وسياقها الإستراتيجي. فالتصريحات تأتي ضمن تصعيد واضح في الخطاب السياسي الفلسطيني تجاه ما يُوصف بسياسات “العدوان الممنهج” من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة والتصعيد في الضفة الغربية.
تصفية المشروع الوطني الفلسطيني
أولى دلالات هذه التصريحات تكمن في تأكيد فتوح على أن ما يجري ليس مجرد سلسلة من الانتهاكات، بل خطة استراتيجية تستهدف “تصفية المشروع الوطني الفلسطيني”، وهو توصيف يُخرج الأحداث من نطاق السياسة اليومية إلى إطار أخطر بكثير يتعلق بمصير الكيان الفلسطيني ككل، بما فيه من مؤسسات وسيادة ورمزية وطنية. هذا يعني أن القيادة الفلسطينية باتت ترى نفسها في مواجهة مشروع إسرائيلي أوسع يهدف إلى نفي فكرة الدولة الفلسطينية، وليس فقط تقويض السلطة كجهاز إداري أو أمني.
إشارة فتوح إلى الدعم الذي يحظى به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من قبل وزرائه، ومعظمهم من المستوطنين والمتطرفين، تسلط الضوء على أن التوجهات الإسرائيلية الأخيرة ليست انحرافًا عن المسار الديمقراطي الإسرائيلي، بل نتيجة مباشرة لصعود تيار اليمين الاستيطاني، الذي يتبنى سياسات الضم والتهويد بصورة علنية ومدعومة شعبيًا داخل إسرائيل. هذا يعكس قلقًا فلسطينيًا حقيقيًا من أن المعادلة السياسية داخل إسرائيل لم تعد تقبل بالتسوية أو الحل السياسي على أساس حل الدولتين.
اعتراف دولي متزايد بدولة فلسطين
الجانب الآخر من تصريحات فتوح يتضمن إشارة إلى تحولات دولية لافتة، خصوصًا في ما يتعلق بتزايد العزلة السياسية والدبلوماسية لإسرائيل، وتنامي الوعي العالمي بالرواية الفلسطينية، وهو ما تجلى في موجات المقاطعة، وقطع العلاقات من قبل بعض المؤسسات الدولية، واعتراف دولي متزايد بدولة فلسطين. هذا يعكس محاولة فلسطينية لبناء سردية مضادة للواقع الذي تفرضه إسرائيل، والاستفادة من الزخم الدولي في إعادة تقديم المشروع الوطني الفلسطيني على الساحة العالمية كقضية شعب مضطهد يسعى للحرية وتقرير المصير.
كما يمكن قراءة دعوة فتوح للمجتمع الدولي بأنها محاولة لتحريك المواقف الرسمية الغربية، التي ما زالت مترددة أو منحازة، من خلال الضغط الشعبي، خاصة في ظل الحراك الواسع في الشارع الأوروبي. هو بذلك يربط بين الإنجازات الدبلوماسية الرمزية، كرفع العلم الفلسطيني في المحافل الدولية، وبين الحاجة إلى خطوات تنفيذية على الأرض، كوقف العدوان، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.
إعادة بناء أوراق القوة
وصف فتوح للوضع في غزة بأنه “مقبرة جماعية” و”تطهير عرقي” يعكس تصعيدًا لغويًا متعمدًا يهدف إلى نقل القضية إلى مستوى أخلاقي وقانوني دولي، يفتح المجال أمام المطالبة بمحاكمات دولية وتدابير عقابية على إسرائيل، وهو مؤشر على أن القيادة الفلسطينية تتجه نحو تفعيل أدوات القانون الدولي بشكل أكبر مما كان في السابق.
تمثل هذه التصريحات قراءة سياسية مكثفة لحالة الصراع الراهنة، تضع السلطة الفلسطينية في موقع الدفاع الوجودي عن فكرة الدولة، لا مجرد الدفاع عن مؤسساتها، وتدل على محاولة فلسطينية لإعادة بناء أوراق القوة في ظل واقع إقليمي ودولي متغير.