إصرار حركة “حماس” على التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يعكس تحولاً استراتيجياً في موقف الحركة تجاه ما يمكن أن يشكل نهاية الحرب المستمرة منذ أشهر. هذا الإصرار يعكس أيضاً إدراكاً من “حماس” أن أي اتفاق جزئي، مهما كانت مغرياته المرحلية – كإدخال مساعدات مؤقتة أو تبادل محدود للأسرى – لن يضمن لها، ولا للفلسطينيين، نهاية حقيقية للمعاناة، خصوصاً مع استمرار سياسة “العض على الأصابع” التي تمارسها إسرائيل على المستويين العسكري والسياسي.
المقامرة بمصير المدنيي
غير أن هذا الموقف، رغم اتساقه من الناحية الأخلاقية والوطنية مع معاناة الشعب الفلسطيني، قد لا يكون عملياً أو واقعياً في هذه اللحظة بالذات. إسرائيل، في ظل قيادة بنيامين نتنياهو، أعلنت صراحة أنها غير مستعدة للقبول بوقف شامل للحرب دون تحقيق ما تسميه بـ”الانتصار الكامل”، وهو ما يعني على أرض الواقع تحطيم البنية العسكرية والإدارية لـ”حماس”، واستعادة كامل الأسرى الإسرائيليين، وإزالة ما تعتبره تهديداً وجودياً لأمنها.
السؤال الجوهري هنا: هل هذا هو التوقيت المناسب لهذا النوع من المواقف الحاسمة والمتصلبة؟ الجواب يقتضي النظر في حجم المعاناة التي يعيشها سكان غزة. مع استشهاد المدنيين يومياً، وتجويع المحاصرين، ودمار هائل للبنية التحتية، فإن الإصرار على صفقة كاملة دون قبول تنازلات تكتيكية – ولو كانت مؤقتة – قد يبدو أقرب إلى المقامرة بمصير المدنيين، أكثر من كونه موقفاً تفاوضياً مدروساً.
نقد “حماس” هنا لا يتوجه إلى حقها المشروع في الدفاع عن الشعب الفلسطيني أو في السعي إلى إنهاء الاحتلال، بل إلى طبيعة إدارة هذا الصراع في اللحظة الراهنة. هناك غياب واضح للمرونة السياسية، وربما سوء تقدير لحجم الضغط الدولي وحدود ما يمكن أن تُجبَر عليه إسرائيل في هذه المرحلة، خاصة في ظل الدعم الأميركي المستمر لها، واستغلال إسرائيل لفكرة “الرهائن” كذريعة لإطالة أمد الحرب.
التصلب في المفاوضات
في المقابل، يمكن القول إن “حماس” تسعى أيضاً لتفادي الفخ الإسرائيلي الذي اعتاد على تجزئة الحلول: هدنة قصيرة، تبادل جزئي، ثم العودة إلى الحرب. الحركة تخشى – وربما محقة في ذلك – من أن أي اتفاق جزئي سيمنح إسرائيل استراحة تكتيكية، لتعود بعدها أكثر شراسة.
إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق توازن بين الثوابت الوطنية والمبادئ الإنسانية. فالشعب الذي يقاتل من أجل حريته لا يجب أن يُترك يتضور جوعاً، ولا أن يُقدَّم صموده كشهادة سياسية لمواقف قد تكون صلبة لكنها غير قابلة للتطبيق فوراً. إن القيادة الحقيقية تتجلى في قدرتها على حماية شعبها، لا فقط في رفع الشعارات أو التصلب في المفاوضات.