الجدل الدائر حول تعيين اللواء ديفيد زيني رئيسًا لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يكشف عن أزمة عميقة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل، ويعكس تصاعد الانقسامات في الحكومة والمجتمع الإسرائيلي بعد الحرب المستمرة في غزة، وما خلّفته من توتر سياسي وشعبي وأمني.
قرار سياسي يتجاهل طبيعة الشاباك
المعارضة لتعيين زيني لا تقتصر على مجرد تحفظات مهنية، بل تمتد إلى اعتبار اختياره قرارًا سياسيًا بامتياز يتجاهل طبيعة الشاباك كجهاز يفترض به أن يكون محايدًا وغير منحاز سياسيًا. المسؤولون في الشاباك، خصوصًا من يعملون في قطاعات حساسة كـالقدس والضفة الغربية، عبّروا عن قلقهم من مواقف زيني المتطرفة، التي لا تنسجم مع تقاليد الجهاز ولا مع مبادئه القائمة على الحيادية والعمل الأمني المحترف بعيدًا عن الأجندات السياسية.
يرى هؤلاء أن وجود شخصية ذات خلفية وتوجهات سياسية واضحة، مثل زيني، على رأس الشاباك، قد يُضعف ثقة الجمهور والمؤسسة الأمنية بقدرة الجهاز على اتخاذ قرارات استراتيجية دون انحياز.
رفضه صفقة تبادل الرهائن
في موازاة هذا الرفض داخل المؤسسة الأمنية، جاء غضب أهالي المحتجزين الإسرائيليين في غزة ليضيف بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا عميقًا لهذه الأزمة. فتصريحات زيني السابقة، التي عبّر فيها عن رفضه لأي صفقة تبادل مع حركة حماس، بحجة أن الحرب يجب أن تُخاض حتى النهاية، اعتُبرت طعنة في قلب العائلات التي تنتظر بفارغ الصبر استعادة أبنائها. هذه التصريحات فُسّرت على أنها تبني لرؤية نتنياهو القائمة على استمرار الحرب، حتى لو كان الثمن بقاء الرهائن في الأسر، ما أثار سخطًا شعبيًا واسعًا واعتبره البعض “خيانة إنسانية”.
اللافت أن هذا الجدل يعكس حالة انقسام غير مسبوقة داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها. فبينما يسعى نتنياهو لتثبيت رجاله الموالين في المناصب الحساسة لضمان استمرارية رؤيته في الحرب واحتواء الأصوات المعارضة، يواجه مقاومة متزايدة من داخل الأجهزة الأمنية ومن قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، لم تعد تثق بالقرارات الصادرة عن القيادة السياسية الحالية. فالصراع لم يعد بين اليمين واليسار، بل أصبح داخل معسكر اليمين نفسه، بين من يريد إنهاء الحرب بصفقة تُنهي معاناة الأسر، ومن يصرّ على الحسم العسكري حتى لو طال أمد المعركة.
هشاشة التماسك الإسرائيلي
هذا التعيين، وما تلاه من اعتراضات، يفضح هشاشة التماسك الإسرائيلي الداخلي، ويؤكد أن حرب غزة لم تخلخل فقط الأمن في الجنوب، بل ضربت أيضًا عمق المؤسسات الإسرائيلية، وجعلت من جهاز الأمن العام، الذي لطالما كان مظلة موحدة، ساحةً أخرى للصراع السياسي. وفي الوقت الذي يواجه فيه الشاباك تحديات كبيرة على الأرض، يُخشى أن يتحول الصراع الداخلي إلى نقطة ضعف إضافية في جدار الأمن الإسرائيلي المتصدع.