تعيش قناة السويس – أحد أهم شرايين الملاحة البحرية العالمية – مرحلة استثنائية من التراجع في الحركة والإيرادات، بفعل تداعيات الهجمات المتواصلة من قبل الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن مصر لم تكن هدفًا مباشرًا لتلك الهجمات، إلا أن التأثير غير المباشر كان عميقًا وملموسًا، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية وعمليات إعادة توجيه السفن إلى طرق بديلة.
تشير البيانات إلى أن حجم البضائع العابرة عبر القناة بين 1 يناير و11 مايو 2025 قد انخفض بنسبة 64% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، و23% مقارنة بعام 2022، في تراجع يُعد من الأكثر حدة في تاريخ الهيئة. وقد انعكس ذلك مباشرة على الإيرادات، حيث هبطت عائدات رسوم العبور من 10.25 مليار دولار عام 2023 إلى 3.99 مليار دولار في 2024، بنسبة تراجع بلغت 61%، وهو رقم يثير القلق بالنظر إلى الدور الحيوي الذي تلعبه القناة في دعم احتياطات النقد الأجنبي المصرية.
على صعيد آخر، يشير تقرير رسمي إلى أن بداية حرب السابع من أكتوبر 2024 مثلت نقطة تحول حاسمة في إيرادات القناة. فقد سجلت إيرادات القناة تراجعًا كبيرًا في الشهور التي تلت اندلاع الحرب، حيث قلّت حركة السفن العابرة بشكل ملحوظ، نتيجة التوترات الأمنية والعمليات العسكرية في المنطقة، مما أجبر العديد من السفن على تغيير مساراتها إلى طرق أكثر أمانًا ولكن أطول تكلفة. هذا الوضع أدى إلى ضغوط مالية إضافية على مصر، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات القناة لتمويل موازنتها العامة وتنمية اقتصادها.
لمواجهة هذا الانكماش، بادرت هيئة قناة السويس إلى تقديم حوافز مؤقتة، تمثلت في خصم قدره 15% لسفن الحاويات التي تزيد حمولتها الصافية على 130 ألف طن متري، اعتبارًا من 15 مايو ولمدة 90 يومًا. هذه الخطوة تعكس محاولة مصرية جادة لاستعادة بعض من الثقة المفقودة لدى شركات الشحن، ولكن تبقى محدودة التأثير في ظل المخاطر الأمنية المستمرة في البحر الأحمر.
هل تستفيد مصر من اتفاق الحوثي وواشنطن؟
في ظل هذه الظروف، يتزايد الحديث عن التفاهمات غير المعلنة التي تجري بين واشنطن وجماعة الحوثي عبر وسطاء إقليميين، والهادفة إلى احتواء التصعيد وضمان أمن الممرات البحرية. مثل هذا الاتفاق، إذا نضج فعليًا، قد يمثل فرصة استراتيجية لمصر لالتقاط أنفاسها المالية، إذ من شأن وقف الهجمات أو حتى تخفيفها أن يعيد الثقة تدريجيًا لشركات الشحن العالمية لاستخدام المسار التقليدي عبر قناة السويس بدلاً من الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح.
لكن من جهة أخرى، فإن أي تحسن مرهون بتوافر ضمانات أمنية حقيقية على الأرض، وهو أمر لا يمكن التسرع في توقعه، نظرًا لتعقيد المشهد اليمني وتعدد القوى المنخرطة فيه. ومع ذلك، فإن العودة الجزئية لحركة الشحن عبر القناة ستُعد بمثابة جرعة دعم للاقتصاد المصري، خاصة في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية متشابكة تتطلب حلولاً متعددة الأبعاد.
في المحصلة، يبقى الأمل معقودًا على استقرار الملاحة في البحر الأحمر وعلى قدرة مصر في استعادة مكانتها كطريق آمن وموثوق للتجارة الدولية، وهو ما يتطلب دعمًا دوليًا إلى جانب الإجراءات المحلية