في ضوء البيان الصادر عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يتضح أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة غير مسبوقة من التدهور والانهيار. الحديث لم يعد فقط عن أزمة، بل عن مأساة متواصلة تحوّلت إلى كارثة شاملة تمس كل مظاهر الحياة الأساسية للمدنيين، في ظل حصار خانق مستمر منذ أشهر.
خطر تفشي الأمراض
تشير تقارير الأونروا إلى أن القطاع يواجه حالة من الانهيار الكامل في البنية التحتية الصحية والخدمية، وسط انعدام شبه تام للغذاء والماء النظيف والدواء. توقّف العيادات والمستشفيات عن العمل نتيجة لنفاد الوقود والأدوية، يعكس حجم العجز الذي يعيشه السكان، حيث لم تعد هناك قدرة حتى على تقديم الإسعافات الأولية أو الرعاية الأساسية. هذا الوضع تسبّب في وفاة المرضى بصمت، وهو مشهد يعكس غياب الحد الأدنى من المقومات الإنسانية.
وفي الوقت ذاته، تكدّست النفايات في الشوارع، وتدهورت الأوضاع البيئية والصحية، ما يزيد من خطر تفشي الأمراض في أوساط السكان، وخاصة الأطفال والضعفاء. اللافت أن الأونروا تسلط الضوء على فقدان الكرامة الإنسانية، وهو ما يعتبر من أشد مظاهر الانهيار الاجتماعي والنفسي، حين يصبح الجوع وسيلة إذلال منهجي لأناس منهكين يعيشون على أمل النجاة فقط.
مشاهد دامية
الوضع الأمني أيضاً أصبح معقّداً، حيث تحوّلت لحظات توزيع المساعدات الغذائية – والتي كان يُفترض أن تكون فرصًا لإنقاذ الأرواح – إلى مشاهد دامية، سقط فيها مدنيون ضحايا لسوء التنظيم أو لتعمّد الاستهداف. هذه الأحداث لا تترك مجالاً للشك بأن إدخال المساعدات في ظروف الحرب الحالية يفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية الإنسانية.
رسالة الأونروا في هذا السياق واضحة: المجتمع الدولي يمتلك القدرة والموارد لإيصال المساعدات، لكن الإرادة السياسية والوصول الآمن هما العنصران المفقودان. وفي هذا السياق، لا يعود الحديث مقتصرًا على المسؤوليات الإغاثية، بل يمتد إلى مسؤوليات قانونية وأخلاقية تجاه شعب محاصر يواجه الموت جوعًا وعطشًا ومرضًا.
فشل عالمي في حماية المدنيين
من جهة أخرى، يتطلب هذا الوضع استجابة فورية وعملية من المجتمع الدولي، إذ إن السكوت أو التباطؤ لم يعد مقبولًا في ظل ما وصفته الوكالة بأنه “انهيار متسارع للحياة”. الأطفال الذين ينامون جياعًا، والعائلات التي تبحث في ركام المنازل عن لقمة أو مأوى، هم دليل حيّ على أن الكارثة تجاوزت الخطوط الحمراء كافة، وأصبحت صرخة للضمير الإنساني.
ما يحدث في غزة ليس فقط نتيجة لحرب أو حصار، بل تعبير عن فشل عالمي في حماية المدنيين وقت النزاعات، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإنقاذ ما تبقى من حياة وكرامة في هذا الجزء المنكوب من العالم. رفع الحصار، وقف إطلاق النار، وضمان الوصول الإنساني الفوري، لم تعد مطالب سياسية، بل شروط وجودية لبقاء شعب بأكمله على قيد الحياة.