تشير التطورات الأخيرة في السياسة الإسرائيلية، ولا سيما قرار تطبيق قانون سحب الجنسية أو الإقامة من فلسطينيي الداخل، إلى تصاعد غير مسبوق في العنصرية المؤسسية والتطرف السياسي داخل الحكومة الإسرائيلية. في ظل حكومة توصف على نطاق واسع بأنها الأكثر يمينية وتشدداً في تاريخ إسرائيل، تتخذ السياسات طابعاً عقابياً وجماعياً يتخطى الأبعاد الأمنية إلى محاولة ممنهجة لتقليص الوجود السياسي والاجتماعي للفلسطينيين داخل إسرائيل.
الولاء السياسي للنظام الصهيوني
القانون الذي أقرّه الكنيست في فبراير 2023، ويحظى الآن بدعم تنفيذي من وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الائتلاف أوفير كاتس، لا يُعنى فقط بـ”منفذي العمليات” كما يُروَّج له، بل يمتد ليشمل عائلاتهم وأي شخص يُشتبه بتعاطفه أو تأييده أو حتى امتناعه عن الإدانة. هذه الصيغة الفضفاضة تعني عملياً أن المواطنة في إسرائيل، بالنسبة للفلسطينيين، أصبحت مشروطة بالولاء السياسي للنظام الصهيوني، وتحت تهديد دائم بالإلغاء.
الخطورة لا تقتصر على النصوص القانونية فقط، بل في السياق السياسي الذي تُطرح فيه. فالمبادرة جاءت برعاية رموز من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير، وتتم تغذيتها بخطاب شعبوي يتغذى على شيطنة الفلسطينيين، وتجريم كل أشكال التعبير الوطني لديهم، حتى لو كان سلمياً أو رمزياً. والمفارقة أن المخابرات الإسرائيلية نفسها، التي طالما لعبت دوراً مركزياً في السياسات الأمنية، كانت قد تحفظت على تطبيق القانون خشية انعكاساته الأمنية والدولية، إلا أن وزير الدفاع تجاوز هذه التحفظات في مؤشر على أن الاعتبارات السياسية والانتخابية باتت تتفوق على الاعتبارات الأمنية ذاتها.
هذا التحوّل يدل على أمرين أساسيين:
تآكل الفاصل بين الدولة والأيديولوجيا الدينية القومية: فإسرائيل اليوم ليست فقط في قبضة حكومة يمين، بل حكومة مدفوعة بتيارات “يهودية فاشية” تسعى لتأسيس دولة نقية عرقياً ودينياً، حتى على حساب مبادئ الليبرالية التي طالما حاولت إسرائيل تصديرها للغرب.
إضعاف متعمَّد للجهاز القضائي: هناك هجمة مباشرة تقودها الحكومة على استقلالية القضاء، وهو ما يهدد بمزيد من الانهيار في منظومة “العدالة الإسرائيلية” تجاه الفلسطينيين، الذين يعانون أصلاً من تمييز منهجي. ومع هذا التآكل، قد تصبح محكمة العدل العليا، التي رفضت قوانين مشابهة في السابق، أقل قدرة على التصدي لهذه السياسات، بل وربما تتحول إلى أداة بيد اليمين لتكريس قوننة التمييز.
ما يجري اليوم ليس مجرد تشريع قانوني جديد، بل محاولة لإعادة تعريف المواطنة على أساس عنصري، حيث تُختزل حقوق الإنسان في مسألة الولاء للنظام السياسي. وهذا لا يشكل تهديداً فقط للفلسطينيين في الداخل، بل يضرب أساس ما تُسميه إسرائيل “ديمقراطيتها”، ويحولها بشكل متسارع إلى نظام أبرتهايد معترف به رسمياً.
تهجير سياسي وتشريعي
وفي خلفية كل هذه التطورات، لا يمكن تجاهل الوضع في غزة، حيث تشير وزارة الصحة إلى استشهاد أكثر من 54 ألف فلسطيني في الحرب الجارية. هذا الرقم المفزع ليس مجرد ضحية للقصف، بل نتيجة مباشرة لسياسات حكومة تُقنن القتل الجماعي هناك، وتُشرعن الطرد والإقصاء هنا، في الداخل.
ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية هو تجريف متعمد لكل ما تبقى من فرص التعايش، وتكريس لنظام يستند إلى تفوق عرقي وتهجير سياسي وتشريعي للفلسطينيين، سواء في غزة أو في أراضي 48.