كشف السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، عن إمكانية انضمام سوريا ولبنان إلى “اتفاقيات إبراهيم” قبل المملكة العربية السعودية. وجاء هذا التصريح خلال مقابلة مصورة مع منصة PragerU الإعلامية اليمينية، أعادت نشرها لاحقًا صحيفة جيروزاليم بوست، ما منحها زخمًا سياسيًا وإعلاميًا إضافيًا في الأوساط الإسرائيلية والدولية.
السياق الجديد: إعادة صياغة قواعد التطبيع في المنطقة
وفقًا لما صرح به السفير ليتر، فإن “إسرائيل غيّرت النموذج جذريًا”، ما يفتح المجال – حسب قوله – أمام إمكانية التوصل إلى اتفاقيات سلام مع دول لطالما اعتُبرت خارج معادلة التطبيع المباشر، مثل سوريا ولبنان. هذا التحول في اللهجة الإسرائيلية يعكس تطورًا لافتًا في التفكير الاستراتيجي، حيث لم تعد إسرائيل تنتظر فقط المبادرات الخليجية أو الأميركية، بل باتت تسوّق لرؤية خاصة بها، ترى أن الأطراف التقليدية في محور “الممانعة” يمكن أن تدخل هي الأخرى في مسار تطبيعي “غير مشروط زمنيًا” بالموقف السعودي.
هل يُعقل الحديث عن اتفاق مع دمشق وبيروت؟
بالنظر إلى ما تعيشه سوريا ولبنان من أزمات داخلية خانقة، وتشتّت في القرار السيادي لكليهما، يبدو الطرح الإسرائيلي ضربًا من المبالغة، إن لم يكن نوعًا من البروباغندا السياسية الموجهة. لكن من الناحية الدبلوماسية، فإن التصريحات تأتي في لحظة تتغير فيها خرائط النفوذ، لاسيما في سوريا التي باتت مسرحًا لتقاطع المصالح الروسية والإيرانية، مع انكفاء نسبي في الحضور العربي رغم محاولات “التطبيع العربي الرسمي” مع النظام السوري في الآونة الأخيرة.
ومن الواضح أن ليتر يحاول استثمار هذا الانفتاح العربي المحدود على دمشق لتقديم إسرائيل كلاعب قادر على فتح الأبواب المغلقة، حتى وإن بدا ذلك بعيدًا عن الواقع في ظل استمرار التوتر العسكري والأمني بين “إسرائيل” ومحور حزب الله-إيران-النظام السوري.
لبنان في الحسابات الإسرائيلية: مناورة دعائية أم تقدير استراتيجي؟
أما في ما يخص لبنان، فإن حديث السفير الإسرائيلي لا يبدو متماسكًا أمام الحقائق الجيوسياسية. فلبنان، الذي لا يزال دون رئيس جمهورية، ويعاني من شلل حكومي وانهيار اقتصادي، يخضع فعليًا لتوازنات داخلية تمنع أي انفتاح على إسرائيل، خاصة في ظل الهيمنة السياسية والأمنية لحزب الله، الذي يعتبر نفسه في حالة حرب مفتوحة مع الدولة العبرية.
ومع ذلك، فإن ذكر لبنان في هذا السياق قد لا يكون عبثيًا تمامًا؛ بل ربما يُستخدم كورقة ضغط على الساحة الداخلية اللبنانية، أو كرسالة موجهة إلى الدول الغربية بأن إسرائيل منفتحة على “سلام شامل”، وأن العائق الأساسي ليس إسرائيل، بل الأطراف الرافضة.
السعودية: العلاقة المؤجلة بسبب حرب غزة
في جزء آخر من حديثه، تطرق ليتر إلى العلاقة المتعثرة مع السعودية، موضحًا أن المملكة كانت على مقربة من تطبيع كامل في العام 2019، وأن وجود ترامب في الحكم كان سيُسرّع من التوصل إلى اتفاق نهائي. وأشار إلى أن السعودية “لا تزال على الطريق”، لكن الحرب الجارية في غزة منذ أكتوبر 2023 أعاقت المسار.
هذه الإشارة تتقاطع مع تصريحات مسؤولين أميركيين وإسرائيليين سابقين حول وجود مسودة اتفاق تطبيع مع الرياض كانت قيد التحضير قبل اندلاع الصراع الأخير في غزة. وبحسب ليتر، فإن الحرب أضافت طبقات جديدة من التعقيد، ليس بسبب السعودية فقط، بل بسبب ارتدادات الصراع على مجمل الصورة الإقليمية والضغط الشعبي العربي.
ما وراء التصريحات: رسائل متعددة الاتجاهات
يحمل حديث السفير الإسرائيلي أبعادًا تتجاوز المحتوى الظاهري، فهو لا يقدم معلومات مؤكدة عن مفاوضات جارية أو وساطات دبلوماسية نشطة، بل يندرج في إطار الرسائل السياسية الموجهة إلى أكثر من طرف:
-
للداخل الإسرائيلي: لتغذية صورة حكومة قادرة على تحقيق اختراقات إقليمية حتى في ظل الحرب.
-
للولايات المتحدة: كنوع من الدعم المعنوي لفكرة “السلام الإبراهيمي” التي ترعاها واشنطن.
-
للدول العربية: لتذكيرها بأن إسرائيل ما زالت “شريكًا موثوقًا” وأن الباب مفتوح لمن يريد القفز إلى قاطرة التطبيع.
-
ولإيران: في رسالة مضادة تقول إن حتى حلفاء طهران في الشام وبيروت قد يصبحون في صفوف “السلام”، إن توفرت الظروف.
خلاصة: الواقع غير قابل للتطبيع بعد
رغم الطابع المتفائل الذي أراد ليتر بثّه، فإن الواقع السياسي والعسكري في المنطقة لا يُبشّر باتفاقات وشيكة مع دمشق أو بيروت. ما زالت الهوة واسعة بين الطموحات الإسرائيلية والواقع العربي، لاسيما في ظل استمرار الحروب المفتوحة، وتفكك الدولة المركزية في أكثر من بلد مجاور. وعلى الأرجح، فإن هذه التصريحات ستبقى في خانة “الخطاب الدعائي”، ما لم تتغير جذور الأزمة القائمة في الإقليم.