تشكل الضربات الصاروخية والمسيرات الإيرانية الأخيرة على الداخل الإسرائيلي تصعيداً غير مسبوق في طبيعة الحرب الإقليمية المتصاعدة، ونقطة تحوّل في قواعد الاشتباك بين طهران وتل أبيب. فالهجمات التي طالت مناطق حساسة داخل إسرائيل مثل تل أبيب، رمات غان، بئر السبع، وحولون، وما صاحبها من دمار واسع وارتفاع ملحوظ في عدد المصابين، أثارت ردود فعل صاخبة داخل المجتمع الإسرائيلي، وكشفت عن هشاشة منظومة الأمن الداخلي أمام موجة من الهجمات الدقيقة والمنسقة.
صدمة للرأي العام الإسرائيلي
اللافت أن هذه الهجمات جاءت في وقت حساس تعيش فيه إسرائيل حالة تعبئة أمنية بسبب الحرب المستمرة في غزة، ما جعل الجبهة الداخلية مثقلة أصلاً بالتوتر والضغط النفسي والمعنوي. وقد شكل استهداف مواقع حيوية مثل محيط مستشفى “سوروكا” – الذي يُعد أحد أبرز المراكز الطبية التي تتعامل مع مصابي الجنود – مؤشراً على تطور نوعي في بنك أهداف إيران، بما يتجاوز الرسائل الرمزية إلى التأثير المباشر في العمق الإسرائيلي.
من الناحية الاجتماعية، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي دخل في حالة من القلق الوجودي، خصوصاً في ظل ضربات أدت إلى مقتل 24 شخصاً وإصابة أكثر من 800، وأجبرت آلاف الأسر على إخلاء منازلها. مشاهد الانفجارات والدمار في تل أبيب ورمات غان، والحديث عن عالقين تحت الأنقاض، شكلت صدمة للرأي العام الإسرائيلي الذي اعتاد أن تكون المعارك على أطراف الدولة لا في قلبها.
منظومة الردع والقدرة
وتُظهر التصريحات الرسمية حالة من الارتباك، خصوصاً بعد نفي نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي استهداف أي منشأة عسكرية في بئر السبع، في حين تؤكد الرواية الإيرانية أن الضربة كانت موجهة لمركز عمليات استخبارات عسكرية بجوار المستشفى. هذا التناقض زاد من تساؤلات الداخل الإسرائيلي حول فاعلية منظومة الردع والقدرة على التحكم بمسار التصعيد.
من الناحية السياسية، تزداد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية التي تواجه الآن جبهتين: الجنوب مع غزة، والشرق مع إيران مباشرة. وقد بدأت الأصوات تتعالى في الأوساط السياسية والإعلامية حول الحاجة لإعادة تقييم الاستراتيجية الدفاعية، وزيادة الاستثمار في الجبهة الداخلية، التي أظهرت أنها أكثر هشاشة مما كان يُتصوّر.
دمار شامل وتهديدات مباشرة
في المحصلة، تترك هذه الجولة من التصعيد الإيراني آثاراً نفسية ومادية عميقة في الداخل الإسرائيلي. فهي تمثل أولى المرات التي تدخل فيها المدن الإسرائيلية الكبرى حالة إنذار دائم، وتُجبر على التعامل مع دمار شامل وتهديدات مباشرة. وقد يؤدي استمرار هذا النمط إلى تحولات جذرية في المزاج العام الإسرائيلي، سواء لجهة دعم الحرب أو الضغط باتجاه حلول سياسية توقف هذا النوع من الاستهداف المباشر.