أعلنت إيران مساء الجمعة 14 يونيو 2025 عن تنفيذ مرحلة جديدة من عملية عسكرية وصفتها بـ”الوعد الصادق 3″، شملت إطلاق عشرات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة باتجاه أهداف داخل إسرائيل. الهجوم – الذي جاء بعد ساعات من ضربات إسرائيلية استهدفت منشآت حساسة داخل الأراضي الإيرانية – اعتُبر من قبل المراقبين رداً مباشراً، لكنه أثار في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى فعالية الدفاعات الإسرائيلية، ونطاق المواجهة المحتملة.
بين الرواية الرسمية والواقع الميداني
البيان الصادر عن الحرس الثوري الإيراني تحدث عن “نجاح الصواريخ الإيرانية في إصابة أهداف عسكرية واستراتيجية داخل العمق الإسرائيلي”، مشيرًا إلى استخدام تقنيات “ذكية ودقيقة” لضرب قواعد جوية ومراكز صناعية تُستخدم – بحسب البيان – في إنتاج الصواريخ وتطوير الأسلحة. كما أشار البيان إلى أن “المعلومات الاستخباراتية وصور الأقمار الصناعية” تؤكد إصابة الأهداف، بالرغم من محاولات إسرائيلية لاعتراض الهجوم.
من جانبها، التزمت السلطات الإسرائيلية حتى اللحظة بالصمت الميداني الرسمي، مكتفية بإشارات إلى تفعيل أنظمة الدفاع الجوي وصد “معظم التهديدات”، من دون تقديم أرقام دقيقة حول حجم الأضرار أو نجاح الاعتراضات. تقارير إعلامية محلية أشارت إلى اندلاع حرائق في مواقع متفرقة بوسط البلاد، وشوهدت أعمدة من الدخان ترتفع فوق تل أبيب، بينما تم تسجيل عدة إصابات.
تحليل استراتيجي: رسائل مزدوجة وأهداف متباينة
الهجوم الإيراني يبدو موجهاً إلى أكثر من هدف. على الصعيد التكتيكي، تسعى طهران إلى تأكيد قدرتها على الرد السريع، وتجاوز الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية ولو جزئيًا. الرسالة هنا ليست فقط إلى إسرائيل، بل إلى حلفائها في واشنطن والمنطقة: أن الضربات الإيرانية لا تقتصر على بيانات إعلامية، وأن العمق الإسرائيلي ليس محصنًا بالكامل.
لكن في الوقت نفسه، يكشف الهجوم عن سقف محدود – حتى الآن – في طبيعة الرد الإيراني. ورغم الحديث عن “أهداف استراتيجية”، لم تشر البيانات أو الشهادات الميدانية إلى تدمير شامل أو اختراق نوعي غير مسبوق، مما قد يعكس حرصًا ضمنيًا على عدم تجاوز عتبة الحرب المفتوحة.
من جهة إسرائيل، لا يزال الغموض يحيط بالرد المحتمل، وإن كانت لهجة الخطاب السياسي والعسكري توحي بتحضير لرد مماثل. لكن الحسابات الإسرائيلية ليست سهلة، إذ أن التوسع في الضربات قد يؤدي إلى تعميق المواجهة لتشمل أطرافاً إقليمية أخرى، في لحظة سياسية حساسة داخليًا ودوليًا.
الدور الأمريكي: ضبط الإيقاع أم الوقوف على الهامش؟
في هذا السياق، يبدو أن الولايات المتحدة تجد نفسها أمام معضلة تقليدية: دعم الحليف الإسرائيلي من جهة، وتجنب الانزلاق في مواجهة مباشرة مع إيران من جهة أخرى. فقد التزمت إدارة البيت الأبيض حتى اللحظة بخطاب تحذيري للطرفين، مع التأكيد على أهمية “ضبط النفس” وتجنب التصعيد، في وقت تستعد فيه البلاد لعام انتخابي ساخن.
لكن هذا الحذر الأمريكي قد لا يصمد طويلاً في حال تجاوزت الردود حدود الضربات المحدودة. فأي هجوم كبير يستهدف مصالح أمريكية في المنطقة، أو يؤدي إلى تدهور واسع في أمن الخليج، سيستدعي على الأرجح تحركاً مباشراً، وهو ما تحاول واشنطن تجنبه قدر الإمكان.
مواجهة على حافة الانفجار
يُعدّ الهجوم الصاروخي الإيراني تطورًا نوعيًا في مسار المواجهة الإقليمية بين إسرائيل وإيران، لكنه لا يزال – من الناحية العسكرية – ضمن حدود “الرسائل الصلبة” وليس الحرب الشاملة. غير أن استمرار التصعيد دون تدخل فاعل من القوى الدولية، قد يدفع بالمنطقة نحو سيناريو أكثر خطورة، لا سيما إذا خرجت العمليات عن نطاق الرد والرد المضاد، لتتحول إلى مواجهة إقليمية مفتوحة متعددة الجبهات.
في هذه المرحلة، ما زالت التوازنات قائمة، لكنها هشة، والقادم مرهون بنوع الرد الإسرائيلي، وموقع القرار الأمريكي من معادلة لا تبدو قابلة للاستقرار في المدى القريب.