طالب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، السلطات المصرية بالتدخل العاجل لمنع قافلة نشطاء مغاربيين من الوصول إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، محذرًا من أن السماح لهؤلاء المتضامنين ببلوغ الحدود سيشكل تهديدًا مزدوجًا لكل من الأمن الإسرائيلي والمصري.
جاء تصريح كاتس في سياق حديث لصحيفة “جيروزاليم بوست”، حيث قال بشكل قاطع: “أتوقع من مصر أن تمنع وصول المتضامنين إلى الحدود المصرية الإسرائيلية، وأن تحبط محاولاتهم للقيام باستفزازات أو دخول القطاع”. وأضاف بنبرة تحذيرية: “لقد أعطيت أوامري للجيش الإسرائيلي بمنع دخول أي عناصر جهادية من مصر إلى غزة”.
هذه التصريحات جاءت تزامنًا مع انطلاق “قافلة الصمود”، وهي مبادرة مدنية واسعة انطلقت من العاصمة التونسية، تضم أكثر من سبعة آلاف ناشط من دول المغرب العربي. ويهدف المشاركون، وهم مزيج من أطباء ومحامين وطلاب ومتطوعين، إلى إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان غزة المحاصرين، في خطوة رمزية تؤكد استمرار التضامن الشعبي العربي مع القضية الفلسطينية، رغم برود الأنظمة الرسمية.
ورغم الطابع الإنساني المعلن للقافلة، فقد اختارت إسرائيل أن تقرأ المشهد من زاوية أمنية خالصة، بل أيديولوجية أيضًا. إذ اتهم كاتس المشاركين في القافلة بحمل “أجندة سياسية تتقاطع مع أيديولوجيا حركة حماس”، ما يجعلهم -بحسب وصفه- جزءًا من منظومة تهدد استقرار المنطقة، وليس مجرد متطوعين إنسانيين.
القافلة التي تتحرك بنحو 300 مركبة عبر التراب المصري، يُنتظر أن تصل إلى رفح في غضون أيام، ما يضع القاهرة أمام اختبار صعب: فهل تنصاع للتحذيرات الإسرائيلية وتمنع القافلة، أم تُفسح لها الطريق، مدفوعة بالضغط الشعبي العربي والحرج الإنساني الدولي الذي يرافق استمرار الحصار على غزة؟
بعيدًا عن اللغة الدبلوماسية، تعكس تصريحات كاتس توجّهًا إسرائيليًا متجددًا نحو عسكرة كل أشكال الدعم المدني للفلسطينيين، ومحاولة وضع أي مبادرة تضامنية في خانة التهديدات الأمنية. فحتى المبادرات السلمية، حين تنطلق من دول عربية لا تربطها علاقات رسمية بإسرائيل، تصبح في نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية “قنابل سياسية موقوتة” ينبغي تعطيلها مبكرًا.
في المقابل، قد تجد مصر نفسها مضطرة للموازنة بين أمرين متناقضين: الرغبة في الحفاظ على استقرار حدودها الشرقية وعدم توتير العلاقات مع إسرائيل، وبين الضغط الشعبي والدولي لتمرير قافلة تحمل رسالة رمزية أكثر من كونها عملية، خصوصًا وأن القافلة تتجه إلى رفح ولا تعبر باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
المشهد يبدو معقدًا، خصوصًا في ظل مناخ إقليمي مشحون، حيث تتقاطع المواقف الإنسانية مع الحسابات السياسية والعسكرية. “قافلة الصمود” قد لا تُغير الواقع في غزة، لكنها دون شك تسلط الضوء على حجم التناقض بين خطاب الأمن الإسرائيلي وبين حقيقة أن هناك شعبًا يعاني على مرمى حجر، وأن حتى التضامن معه بات يُعامل كجريمة أمنية.