تشكّل الهجمات الإيرانية الأخيرة، التي سبقت مباشرة سريان وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، منعطفًا حساسًا في الحرب القصيرة لكن المكثفة التي اندلعت بين الطرفين. الخسائر الإسرائيلية المباشرة – سواء البشرية أو المادية – كشفت عن ثغرات عميقة في الجاهزية الدفاعية رغم ما يُعرف عن تفوق إسرائيل التكنولوجي والعسكري.
فشل نتنياهو
مقتل أربعة إلى ستة إسرائيليين، بينهم من سقطوا إثر إصابة مباشرة لصاروخ إيراني على مبنى سكني في مدينة بئر السبع، أحدث صدمة في الشارع الإسرائيلي، خاصة أن الضربة جاءت في وقت كان يُفترض فيه أن تهدأ العمليات تمهيدًا لوقف إطلاق النار المعلن. الضرر لم يكن فقط في الأرواح، بل امتد إلى بنى تحتية حيوية، حيث تحدثت التقارير عن تسرب للغاز، وانهيارات في المباني، وإصابات في مناطق بعيدة مثل الخضيرة، ما يشير إلى تغطية واسعة للهجمات الإيرانية، وهو ما لم يكن متوقعًا بهذا المستوى من الدقة والجرأة.
رد الفعل في تل أبيب اتسم بالتوتر والانقسام، خاصة تجاه حكومة بنيامين نتنياهو، التي تواجه الآن اتهامات بالفشل في تحقيق الردع، وفي عدم الاستعداد الكافي لاحتمالية التصعيد الإيراني. المعارضة سارعت إلى استثمار لحظة الارتباك السياسي، معتبرةً أن نتنياهو قد أخطأ في تقدير حجم الرد الإيراني، وأن خوض مواجهة غير محسوبة مع طهران أفضى إلى نتائج كارثية داخل العمق الإسرائيلي.
تدهور نفسي ومجتمعي في تل أبيب
الضغط على حكومة نتنياهو لم يأت فقط من خصومه السياسيين، بل من الجبهة الداخلية أيضًا، إذ عبّر كثير من الإسرائيليين عن استيائهم من أداء السلطات خلال القصف، خاصة مع فشل الإنذار المبكر في بعض المناطق، وإغلاق المجال الجوي، وارتباك طواقم الطوارئ في الوصول إلى المصابين. الشعور بعدم الأمان طال حتى الفئات التي تعوّدت على الحياة في ظل الصراع، وهو ما يُنذر بتراجع الثقة الشعبية بالحكومة في المستقبل القريب.
في المقابل، سعت الحكومة إلى التخفيف من وقع الهجمات عبر التأكيد على أنها نجحت خلال الليل في تنفيذ غارات نوعية على أهداف إيرانية حساسة، شملت مقار للحرس الثوري ومختبرات نووية. ورغم أهمية هذه الرسائل إعلاميًا، إلا أن الخسائر على الأرض داخل إسرائيل حجبت الأثر السياسي أو النفسي المتوقع لهذه الغارات، خاصة مع فشل تل أبيب حتى اللحظة في تأكيد نتائج تلك العمليات بدقة.
من المستفيد من الهدنة؟
توقيت وقف إطلاق النار، وإعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق شامل، أضفى طابعًا مفروضًا على نهاية المعركة، بدل أن تكون نتاجًا لانتصار ميداني واضح. وهذا ما يثير تساؤلات إضافية داخل إسرائيل حول من المستفيد الحقيقي من الهدنة، وهل كانت الضربات الإيرانية بمثابة رسالة الختام الاستعراضية التي غيّرت ميزان الصورة، حتى وإن لم تغير ميزان القوى.
إسرائيل خرجت من هذه الجولة بحالة نزيف داخلي – معنوي وميداني – لا يمكن لحكومة نتنياهو تجاهلها، خاصة وأنها جاءت بعد شهور من التوترات السياسية الداخلية والتراجع في نسب التأييد الشعبي. المشهد في تل أبيب بعد هذه الحرب القصيرة يُنذر بعاصفة سياسية قادمة، وقد تكون نتائجها أكثر حسمًا من أي معركة عسكرية.