كشفت شبكة “NBC” الأميركية عن خطة قيد الدراسة داخل إدارة الرئيس دونالد ترمب، تقضي بتهجير ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى الأراضي الليبية، مقابل حوافز مالية ووعود بإعادة الإعمار. وبينما لم يصدر تأكيد رسمي من البيت الأبيض أو مجلس الأمن القومي، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الخطة نوقشت بالفعل مع الجانب الليبي، وجرت إحاطة الحكومة الإسرائيلية بتفاصيلها.
وفي حين وصف مراقبون الخطة بأنها تمثل ذروة التجاهل الأميركي للحقوق الوطنية الفلسطينية، يرى آخرون أنها جزء من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على قاعدة تصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى ملف إنساني – ديموغرافي، تمهيدًا لإنهاء ما تبقى من أي مشروع سياسي قائم على فكرة الأرض والهوية الوطنية.
فلسطينيو غزة: تهجير جماعي تحت عباءة «الإنقاذ الإنساني»
بحسب ما نقلته “NBC”، فإن الإدارة الأميركية تفكر بتقديم حوافز مادية ضخمة للفلسطينيين من أجل القبول بالانتقال إلى ليبيا، تتراوح بين توفير سكن مجاني، ورواتب شهرية، وإغراءات تتعلق بإعادة التوطين. ويبدو أن واشنطن تراهن على يأس سكان غزة من الوضع الإنساني الكارثي الذي تسببت فيه الحرب الأخيرة، وعلى استنزاف قدرتهم على المقاومة، لتمرير هذا المشروع الذي يهدد بإعادة تكرار نكبة 1948 بصورة محدثة.
لكن حركة حماس سارعت إلى نفي علمها بالخطة، وأكدت في تصريح للقيادي باسم نعيم أن “الفلسطينيين متجذرون في وطنهم ولن يغادروه”، معتبرة أن “التمسك بالأرض حق لا يقبل المساومة، ولن تنجح أي محاولات لاقتلاعهم منها مهما كانت الإغراءات أو الضغوط”.
ليبيا: ساحة اختبار لرهانات دولية محفوفة بالمخاطر
الاختيار الأميركي لليبيا كموقع محتمل لإعادة توطين الفلسطينيين يثير العديد من التساؤلات، خاصة أن البلاد ما زالت غارقة في حالة من الانقسام السياسي والفوضى الأمنية. وعلى الرغم من وعود الإفراج عن مليارات الدولارات الليبية المجمدة مقابل التعاون، فإن قدرة الدولة الليبية على استيعاب هذا العدد الهائل من اللاجئين، وضمان أمنهم واستقرارهم، تظل محل شك كبير.
ومن الناحية السياسية، فإن إدخال هذا الملف في الساحة الليبية قد يشعل صراعات جديدة، ويزيد من حدة الانقسام بين القوى المتصارعة، خصوصًا إذا رأت أطراف محلية أو إقليمية أن توطين الفلسطينيين جزء من مشروع أكبر لإعادة هندسة التركيبة السكانية والسياسية للبلاد.
إسرائيل في الصورة… والفلسطينيون خارج الحسابات
ما يزيد من تعقيد الخطة، هو تأكيد المصادر أن الجانب الإسرائيلي تم إطلاعه على تفاصيل المشروع، في حين تم تغييب الطرف الفلسطيني من المعادلة، بما يعكس الاستمرار في نهج فرض الحلول من خارج المنطقة، ومن دون أي شراكة حقيقية مع أصحاب الأرض.
ويعزز ذلك ما بدا في السنوات الأخيرة من سياسة “إدارة النزاع” لا حله، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب لتفريغ الأرض من سكانها، سواء عبر الحرب أو الحصار أو التهجير، ثم إعادة تدوير المشكلة في دول عربية أخرى تحت مسمى المساعدات الإنسانية أو إعادة الإعمار.
المخاوف الدولية: مشروع قد يفتح أبواب الجحيم
المجتمع الدولي حتى الآن يلتزم الصمت، لكن محللين يرون أن أي خطة من هذا النوع، خاصة في ظل غياب توافق فلسطيني – عربي – دولي عليها، لن تُفضي سوى إلى تعقيد الوضع الإقليمي، وإعادة إنتاج أزمات لجوء وصراعات ديموغرافية قد تطال دولًا مجاورة لليبيا مثل تونس ومصر والنيجر.
كما أن طرح الخطة بالتزامن مع توقف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وغياب أي أفق لحل سياسي دائم، يبعث برسائل خاطئة مفادها أن القوة العسكرية يمكن أن تُجبر شعبًا على التخلي عن أرضه، وهي رسالة من شأنها أن تؤسس لجولة جديدة من العنف، تتجاوز حدود غزة إلى عموم المنطقة.
تهجير بحجم مليون إنسان لا يُمرر بصمت
ما تفكر به إدارة ترمب، سواء طُبّق أو بقي في إطار الدراسة، يشير إلى أن فلسطين لم تعد على طاولة الحلول السياسية، بل تحوّلت إلى عبء يراد تصديره، حتى وإن كان الثمن تهجير مليون إنسان إلى بلد لا يزال بالكاد يتنفس بعد سنوات من الحرب.
إن الرهان على يأس الفلسطينيين لتسويق مشروع كهذا ليس فقط خطيرًا أخلاقيًا، بل مدمّر استراتيجيًا. فالتاريخ علّم الجميع أن الشعوب لا تُسلّم وطنها بسهولة، وأن محاولات التهجير الجماعي، حتى لو جرت تحت غطاء دبلوماسي أو مالي، ستقابل برفض لا يقلّ عنفًا عن الحروب.