سجل الاقتصاد التونسي نموا سنويا بنسبة 1.6% خلال الربع الأول من سنة 2025، وفق ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء اليوم الخميس 15 ماي. ورغم أن هذا المؤشر يعكس بعض التحسن مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% على أساس فصلي يعيد إلى الواجهة الأسئلة القديمة حول هشاشة بنية الاقتصاد التونسي، واعتماده المفرط على بعض القطاعات دون غيرها، وعلى رأسها الفلاحة والسياحة.
الفلاحة تُثقل كاهل النمو
تُعزى نسبة الانكماش الفصلية، حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، إلى أداء قطاع الفلاحة الذي لم يكن في مستوى التطلعات، نتيجة عوامل مناخية أثرت سلبًا على الإنتاج، إضافة إلى تداعيات ضعف الاستثمار في القطاع. ويعيد هذا التراجع إلى الأذهان الإشكال المزمن المتعلق بتقلب أداء الاقتصاد التونسي بتقلب مواسم الأمطار وحصاد الزيتون.
رغم ذلك، يبقى النمو السنوي في خانة الإيجابي، وهو ما يعكس بعض الحركية في القطاعات الأخرى، كالصناعات المعملية، والخدمات، خصوصاً تلك المرتبطة بالقطاع السياحي، الذي يستعد بدوره لدخول ذروة الموسم الصيفي، وهو ما يعوّل عليه الكثيرون لإنعاش الإيرادات خلال الأشهر القادمة.
البطالة تتراجع… ولكن
واحدة من الإشارات الإيجابية التي وردت في تقرير المعهد الوطني للإحصاء، هي انخفاض نسبة البطالة العامة إلى 15.7% في الربع الأول من 2025، بعد أن كانت عند 16% في الربع الثالث من السنة الماضية. كما شهدت معدلات البطالة لدى فئة الشباب (15 إلى 24 سنة) تراجعًا مهمًا من 40.5% إلى 37.7%.
اللافت أيضًا أن بطالة حاملي الشهادات العليا سجلت انخفاضًا من 25% إلى 23.5%. لكن هذه الأرقام، رغم إيجابيتها، تبقى بعيدة عن أن تعكس تحوّلًا هيكليًا في سوق الشغل، خاصة في ظل هشاشة العقود المتوفرة، واستمرار تركز فرص العمل في قطاعات خدماتية موسمية وغير مستدامة.
وعود بالتوظيف وسط ضغوطات مالية
في ظل هذه المعطيات، أعلنت الحكومة التونسية عن فتح باب الانتدابات مجددًا في القطاع العام والوظيفة العمومية، بعد تجميد دام أكثر من سبع سنوات نتيجة أزمة المالية العمومية. ووفق تصريح وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شود، فإن قانون المالية لسنة 2025 يتضمن حوالي 20 ألف فرصة عمل جديدة في القطاع العام.
ورغم أن هذا الإعلان لقي ترحيبًا في أوساط الشباب والباحثين عن عمل، إلا أنه يثير في المقابل تساؤلات حول مدى قدرة المالية العمومية على تحمل هذا العبء الإضافي، خاصة في ظل تأخر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وعدم وضوح الرؤية حول مصادر تمويل الموازنة.
اقتصاد موسمي ومداخيل غير مستقرة
الاعتماد شبه الكلي على السياحة، والتحويلات، والفلاحة كمصادر رئيسية للعملة الصعبة، يضع الاقتصاد التونسي تحت رحمة العوامل الخارجية والظرفية. ويعوّل كثيرون على موسم الصيف المنتظر لتعويض جزء من العجز المالي من خلال زيادة مداخيل السياحة، لكن التجربة بيّنت أن هذا النوع من الإيرادات لا يمكن أن يشكّل أساسًا صلبًا للخروج من الأزمة.
ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه تونس اليوم هو قدرتها على تنويع مصادر دخلها الوطني، من خلال تطوير الصناعات التكنولوجية، وتعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، والرفع من نسق الشراكات مع دول إفريقية وعربية وآسيوية، بعيدًا عن الرهان الكلاسيكي على الاتحاد الأوروبي وحده.
في انتظار ما يحمله الصيف
المؤشرات الأولية لنمو 2025 قد تمنح شيئًا من التفاؤل، لكن تحقيق تحول اقتصادي حقيقي لا يكون بالأرقام وحدها. فالمطلوب اليوم من صناع القرار في تونس هو كسر الحلقة المفرغة من الإصلاحات المؤجلة، والمراهنة على إرادة سياسية جادة تضع في صلب أولوياتها إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، على أسس إنتاجية وعادلة ومستدامة. فهل يكون صيف 2025 بداية هذا التحوّل؟