لم تعد حرب إسرائيل وإيران مجرد تبادل رسائل نارية في الخفاء، بل صارت مواجهة مكشوفة، ضارية، تلامس حدود الحرب الشاملة، وبعد البدء بعمليات دقيقة ومحدودة، تطور إلى استهداف مباشر للبنية التحتية ومراكز القيادة، وخلّف دماراً واسعاً وخسائر بشرية فادحة. وفي قلب هذا الصراع، تظهر مؤشرات مقلقة على هشاشة الأنظمة الدفاعية، ونجاح غير مسبوق في الاختراقات الاستخباراتية.
بنك أهداف متفجّر: إسرائيل تقصف العمق الإيراني بلا هوادة
فاجأت إسرائيل خصمها الإيراني بسلسلة من الضربات المركزة، بدأت باغتيالات بارزة لقادة في الحرس الثوري وسلاح الجو، وصولاً إلى منشآت عسكرية ونووية. الطائرات الإسرائيلية حلّقت في الأجواء الإيرانية وكأن لا رادع، لتصيب أهدافاً داخل مناطق مدنية حساسة، فيما أظهرت الدفاعات الإيرانية عجزاً واضحاً عن التصدي للهجمات.
تقارير إسرائيلية تحدثت عن “شلل شبه كامل” في المضادات الجوية الإيرانية، مقابل إنكار طهران لهذه المزاعم، مع الاعتراف بوقوع خسائر كبيرة.
ومن بين الضربات التي دوّت أصداؤها، الهجوم الذي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية في طهران، والذي أسفر عن مقتل عدد من الموظفين وقطع البث المباشر.
“الموساد” في قلب طهران: عمليات داخلية بطابع محلي
تؤكد تسريبات إعلامية أن جهاز “الموساد” الإسرائيلي نجح في تأسيس شبكات عمل داخل طهران، تتيح له تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير، بل وحتى تصنيع وإطلاق مسيّرات من شاحنات محلية. هذا التطور يضيف بعداً مخيفاً للحرب، إذ يعني أن العمق الإيراني لم يعد آمناً، وأن قدرات الرصد والتجسس وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
الرد الإيراني: ضربات مركّزة ومعلومات استخباراتية دقيقة
على الجانب الآخر، أظهرت إيران قدرتها على الرد، وإن كان بحجم أقل. فقد أصابت صواريخها مواقع حيوية في إسرائيل، من بينها منشآت بترولية، محطات كهرباء، ومراكز بحثية مثل معهد وايزمان ومعهد “التخنيون”. اللافت أن هذه الضربات كشفت امتلاك إيران لمعلومات دقيقة عن أماكن إقامة كبار القادة والمسؤولين الأمنيين، ما يشير إلى اختراقها أيضاً للمشهد الإسرائيلي.
ومن أبرز الهجمات الإيرانية، ضربة صاروخية سقطت قرب السفارة الأميركية في تل أبيب، وهو تطور كاد يشعل أزمة دبلوماسية دولية، لولا محاولة واشنطن احتوائه إعلامياً.
رسائل متبادلة للإخلاء.. والسكان بين نارين
لأول مرة، يتبادل الطرفان رسائل تحذير علنية لسكان العواصم، داعينهم لإخلاء المناطق المستهدفة. الجيش الإسرائيلي نشر تحذيرات باللغة الفارسية موجهة لسكان طهران، بينما دعا الحرس الثوري الإيراني سكان تل أبيب إلى مغادرة منازلهم فوراً، معلناً بدء “مرحلة عسكرية جديدة”.
هذا الأسلوب غير المسبوق يعكس مستوى التصعيد، ويحمل في طياته إشارة واضحة إلى أن الحرب لم تعد محصورة بالميدان العسكري فقط، بل باتت تمسّ الحياة المدنية بشكل مباشر.
كلفة بشرية متصاعدة.. والمفاوضات مؤجلة
وفق البيانات الأولية، أسفرت الهجمات المتبادلة حتى الآن عن مقتل أكثر من 220 شخصاً في إيران، بينهم مسؤولون عسكريون ومدنيون، في حين سقط في إسرائيل نحو 25 قتيلاً. وبينما تسعى إيران لإظهار قدرتها على إرباك الاقتصاد الإسرائيلي وبثّ الرعب في الشارع، تتباهى إسرائيل بإضعاف القيادة الإيرانية وضرب منشآتها الحيوية.
لكنّ الملاحظ أن كلا الطرفين يرفضان حتى الآن أي طرح لوقف إطلاق النار، بل إن إسرائيل تضغط باتجاه انخراط الولايات المتحدة في المعركة، معتبرةً إياها فرصة “لتصفية الحساب النووي” مع طهران.
“ترامب” يدعو لإخلاء طهران فورا
وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوة بضرورة إخلاء العاصمة الإيرانية طهران فورًا، محذرًا من أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا تحت أي ظرف.
وقال دونالد ترامب في منشور على منصة «تروث سوشال»: كان ينبغي على إيران أن توقّع على الاتفاق الذي قلت لهم أن يوقّعوهـ ومتابعا، “يا له من أمر مخزٍ، ويا له من هدرٍ للأرواح، لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا، وقلت ذلك مرارًا وتكرارًا!”.
المشهد الختامي: مفتوح على كافة الاحتمالات
المخيف في هذه الحرب أنها تبدو مفتوحة على كل السيناريوهات: من توسع إقليمي يجرّ معه فصائل في غزة ولبنان، إلى تدخلات دولية قد تعيد رسم خارطة التحالفات. كل طرف يرى في هذه الحرب فرصة لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، لكنّ الخطر الأكبر يكمن في انفلات الأمور نحو صراع إقليمي شامل يهدد الأمن الدولي.
وحتى إشعار آخر، يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر في حرب لا يلوح لها أفق للنهاية، بل كل يوم يكشف عن جولة أكثر دموية من سابقاتها.