وسط تصاعد الخسائر الإسرائيلية في قطاع غزة واستمرار الاجتياح البري للشهر التاسع، يخرج جنود الاحتياط عن صمتهم تباعاً، منتقدين بشدة سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، لا سيما في ما يتعلق بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، بينما يتحمل الجنود العلمانيون عبء الحرب وحدهم.
دان أورون، جندي احتياط استُدعي مؤخرًا للقتال جنوب القطاع، عبّر عن استيائه العميق في تصريحات نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، قائلاً إن الحكومة الإسرائيلية “تسحق الجنود تدريجياً باستراتيجية استنزاف قاتلة، في الوقت الذي تعفي فيه عشرات الآلاف من الحريديم من الخدمة العسكرية”. وأضاف أورون أن “نتنياهو وحكومته أضعف من أن يواجهوا الحاخامات والسياسيين المتشددين”، معتبراً أن الجيش تحول إلى عبء حصري على أبناء الطبقة الوسطى والعلمانية.
ورغم استمرار المعارك في مناطق مثل رفح وخان يونس ومحيط محور فيلادلفيا، فإن الجدل الداخلي في إسرائيل حول تجنيد الحريديم يتخذ طابعاً أكثر حدة منذ قرار المحكمة العليا، في 25 يونيو/ حزيران 2024، بفرض الخدمة الإلزامية على الحريديم ووقف الدعم المالي عن المعاهد الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية. القرار، الذي أحدث صدمة في الأوساط الدينية، قوبل برد فعل غاضب من كبار الحاخامات الذين وصفوه بـ”الانتهاك الصارخ للشريعة اليهودية”، داعين أتباعهم إلى رفض التجنيد وتمزيق أوامر الاستدعاء.
ويشكل الحريديم نحو 13 في المئة من سكان إسرائيل البالغ عددهم قرابة 10 ملايين نسمة، ويصرّون على أن دراستهم للتوراة بمثابة “مهمة روحية” لا تقل قداسة عن مهام الجيش، بل يعتبرونها درعًا روحياً يقي البلاد من الأخطار. هذا التبرير الذي ظل مقبولًا لعقود بدأ يتآكل تدريجياً في أوساط المجتمع الإسرائيلي، خاصة بعد سنوات من الحروب التي زادت فيها مشاركة الاحتياط وسقط فيها مئات الجنود دون مشاركة فعلية من الحريديم.
في موازاة ذلك، أعلنت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية إصابة ثلاثة جنود خلال معارك عنيفة جنوبي القطاع، ليرتفع عدد الإصابات المؤكدة اليوم إلى أربعة، وسط هجمات وصفتها تل أبيب بـ”النوعية” تنفذها الفصائل الفلسطينية ضد القوات المتوغلة. يأتي ذلك بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، في حرب تسببت حتى الآن بمقتل 890 من جنودها وضباطها، بينهم 446 منذ بدء الاجتياح البري في السابع والعشرين من الشهر نفسه.
ورغم ضغوط الرأي العام الداخلي وتراجع شعبية الائتلاف الحاكم، لا تبدو الحكومة الإسرائيلية في وارد مراجعة سياستها الحالية، إذ تصرّ على أن العملية العسكرية مستمرة حتى “تحقيق أهداف الحرب”، وفي مقدمتها القضاء الكامل على حماس. لكن أصواتًا من داخل الجيش باتت تتساءل، بصوت عالٍ، عن ثمن هذه الأهداف، وإن كانت الحكومة مستعدة لتقاسمه بالتساوي بين مواطنيها، أم أن هناك من يُستثنى منه باسم الدين.