الوضع الإنساني في جنين وبقية مناطق الضفة الغربية يعيش مرحلة حرجة ومأساوية، في ظل عدوان إسرائيلي متواصل يتخذ طابعًا ممنهجًا، يستهدف البنية التحتية، والمنازل، والمرافق الحيوية، ويعكس نية واضحة لإحداث تغيير ديموغرافي ومعماري في المخيمات والمدن، خاصة في جنين التي أصبحت بؤرة استنزاف إنساني وأمني منذ أكثر من مئة يوم.
ما يحدث في جنين لا يمكن تصنيفه ضمن سياق “العمليات الأمنية” التقليدية، بل يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، بعد قطع الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه بشكل متعمد، وفرض الحصار الكامل على المخيم، ومنع النازحين من العودة إلى منازلهم المهدّمة.
انتشار المستوطنات والاعتقالات اليومية
الحديث عن تدمير أكثر من 600 منزل في المخيم بشكل كامل، وتضرر باقي المنازل إلى حد عدم صلاحيتها للسكن، يشير إلى حجم الكارثة التي تُحاك تحت ستار “الأمن”، في حين أن الواقع يظهر نية حقيقية لتفريغ المخيم من سكانه وتغيير هويته العمرانية والاجتماعية. جنين، التي لطالما كانت رمزًا للمقاومة الفلسطينية، تواجه اليوم محاولة إسرائيلية لتفكيكها بالكامل من الداخل، وإعادة تشكيلها بما يخدم استراتيجية الردع والهيمنة.
الأزمة لا تقتصر فقط على جنين. الضفة الغربية بأكملها تعاني من تصاعد في العنف والقيود، وسط انتشار المستوطنات، والاعتقالات اليومية، وعمليات الهدم المستمرة. لكن الوضع في جنين هو حصار شامل، ودمار كبير في المنشآت المدنية، والمستشفيات، والمدارس، والشوارع، الأمر الذي حوّل المدينة إلى منطقة منكوبة بمعنى الكلمة، وسط صمت دولي مخزٍ، ومحدودية في تدخلات المنظمات الإنسانية.
تكريس واقع الاحتلال
الناطق باسم بلدية جنين، في مناشدته الأخيرة، عبّر عن عمق المأساة التي يعيشها السكان، الذين باتوا عاجزين عن الحصول على أبسط مقومات الحياة، في وقت يُجرف فيه الاحتلال الأرض ويهدم البيوت بشكل متسارع، ويمنع حتى أعمال الإغاثة، وكأن الهدف هو خنق الحياة تمامًا داخل المخيم، ودفع السكان إلى الهجرة القسرية.
هذه الممارسات تُعيد للأذهان سيناريوهات التطهير والتهجير التي عرفها التاريخ الفلسطيني مرارًا، ولكنها اليوم تتم تحت غطاء عالمي هش، وفشل مستمر من المؤسسات الدولية في فرض أدنى درجات المحاسبة. وفي ظل غياب موقف دولي حازم، يتكرس واقع الاحتلال كسلطة لا تخضع لأي رادع، وهو ما يُفاقم من حالة الغضب واليأس، ويدفع بالمزيد من الفلسطينيين إلى حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
تحرك دولي عاجل
الوضع الإنساني في جنين ليس مجرد أزمة محلية، بل هو مرآة تعكس الحالة العامة في الضفة الغربية التي تعيش اليوم واحدة من أسوأ مراحلها، على المستويين الأمني والإنساني. ومع استمرار العدوان، تتضاءل فرص التعافي، وتتسع رقعة الألم، وسط حاجة ماسة لتحرك دولي عاجل يتجاوز التصريحات، ويترجم إلى حماية حقيقية للسكان، ووقف فوري لهذا التدمير المنهجي الذي يُهدد الحياة المدنية برمّتها.