بينما يتزايد الضغط الدولي لوقف حمام الدم في غزة، تبرز بوادر حذرة لاتفاق تهدئة جديد، على ضوء المبادرة المعدّلة التي يقودها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، والتي تقول حركة “حماس” إنها تسلمتها وتقوم بدراستها بـ”مسؤولية”. هذا التطور، رغم ثقله الدبلوماسي، لا يبدو كافيًا حتى اللحظة لكبح جماح التصعيد العسكري الإسرائيلي المتواصل، والذي لم يتوقف عند حدود الغارات، بل تجاوزها إلى تدمير المنشآت الحيوية وإجبار المدنيين على إخلاء المستشفيات بالقوة.
في المقابل، يحاول البيت الأبيض، عبر قنواته، الدفع قدمًا بهذا المقترح الذي يروّج له باعتباره نقطة تحوّل على طريق إنهاء النزيف. وفقًا لما نقلته صحيفة “العربي الجديد”، فإن المقترح يتضمن وقفًا فوريًّا للهجمات، وإفراجًا عن عشرة أسرى إسرائيليين، وتسليم جثامين 18 آخرين، مقابل ضمانات أميركية – مصرية – قطرية بإلزام الطرفين ببنود التهدئة. غير أن الحذر الذي تبديه واشنطن في تصريحاتها العلنية يعكس إدراكًا للمأزق السياسي والعسكري، خاصة في ظل تعنّت حكومة بنيامين نتنياهو ومحاولته إبقاء زمام الحرب بيده، وتفادي أي التزامات تُنهي عمليًا العمليات البرية واسعة النطاق.
في غزة، حيث لا وقت للانتظار، يعيش السكان فصلًا جديدًا من المعاناة المروّعة. المجاعة تفتك، والمستشفيات تنهار، وآلة الحرب لا تميز بين شمال القطاع وجنوبه. فقد أجبر جيش الاحتلال الطواقم الطبية في مستشفى العودة شمال غزة على مغادرته تحت تهديد السلاح، بعد أن فجّر محيطه واستخدم روبوتات مفخخة لنسف البنية التحتية القريبة، في سلوك عسكري يؤكد أن تل أبيب لا ترى في المنشآت الصحية خطوطًا حمراء. وتأتي هذه التطورات بينما يُعلن الجيش الإسرائيلي مناطق جديدة في شرق وشمال غزة على أنها “مناطق قتال”، في مؤشر إلى نية التوغل واستمرار العمليات حتى مع اقتراب مسار التفاوض من مرحلة الحسم.
الهوة بين لغة الدبلوماسية وواقع الميدان تزداد اتساعًا، ما يُلقي بظلال ثقيلة على آفاق النجاح في التوصل إلى اتفاق مستقر. فالمقترح الأميركي، رغم تفصيلاته وتنوع ضماناته، يصطدم بعدم قدرة المجتمع الدولي حتى الآن على فرض التزام فعلي على الأرض. وإلى أن تُرفَع الجرافات عن الركام، ويعود الأطباء إلى غرف العمليات بدل الحفر، ستظل أي ورقة تفاهم حبيسة النوايا، لا الحقائق.