موقف الرئاسة الفلسطينية، كما عبّر عنه الناطق الرسمي نبيل أبو ردينة، يعكس استمرار القيادة الفلسطينية في تبنّي مسار دبلوماسي يستند إلى الشرعية الدولية، ويحاول التصدي للعدوان الإسرائيلي من خلال الضغط السياسي، والتحرك في الأروقة الدولية. لكن مع اتساع رقعة الإبادة في غزة، وتصاعد الاستيطان في الضفة الغربية، وتكرار استخدام الفيتو الأميركي لمنع قرارات الإدانة، بات من الواضح أن الأدوات التي تستخدمها القيادة الفلسطينية تواجه تآكلًا فعليًا في فعاليتها أمام القوة العمياء للاحتلال والدعم الأميركي غير المحدود.
تثبيت الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية
الرئاسة الفلسطينية تتحرك ضمن قنوات معترف بها دوليًا، أبرزها مجلس الأمن، الجمعية العامة للأمم المتحدة، المحكمة الجنائية الدولية، والمبادرة العربية للسلام. لكنها في الوقت ذاته، تصطدم بجدار مزدوج: من جهة تعنت إسرائيلي غير مسبوق، ومن جهة أخرى تواطؤ أو عجز دولي يسمح بمواصلة العدوان دون تكلفة. هذه المعادلة جعلت الإجراءات الفلسطينية تبدو وكأنها تتحرك في فراغ سياسي، حيث المطالب مشروعة، ولكن النتائج على الأرض معدومة.
أبرز ما تقوم به الرئاسة هو تثبيت الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، عبر التنديد المستمر بالجرائم الإسرائيلية، والمطالبة بتحقيقات دولية، ووقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية. هذا الصوت ضروري، خاصة في ظل محاولات إسرائيل تشويه الصورة عبر وسائل إعلامها وحلفائها، لكن تأثيره محدود طالما أن القوى الكبرى لا تعطي وزناً لهذا الخطاب، بل تواصل حماية إسرائيل دبلوماسيًا.
تفعيل أدوات الضغط الدولية على إسرائيل
الرئاسة أيضًا تُحاول حشد الرأي العام العربي والدولي عبر التأكيد على أهمية تنفيذ مبادرة السلام العربية، وإعادة التذكير بمرجعيات الشرعية الدولية. لكن مع تغير الأولويات الإقليمية، وتراجع الزخم العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، فإن هذا الجهد لا يحقق اختراقًا جوهريًا في المواقف الإقليمية أو الدولية.
الإجراء الأبرز الذي تطالب به القيادة الفلسطينية هو تفعيل أدوات الضغط الدولية على إسرائيل، سواء من خلال العقوبات، أو تقييد التعاون العسكري معها، أو على الأقل وقف تزويدها بالسلاح في ظل استمرار المجازر. لكنها لا تملك الأدوات التنفيذية لذلك، وتعتمد على قرارات الغير، ما يُبقيها في موقع الشاكي لا الفاعل.
الأهم أن الرئاسة تطرح تصورًا واضحًا لما تعتبره الطريق الوحيد نحو الاستقرار: إنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، ووقف الانتهاكات في الضفة والقدس، ورفع الحصار عن غزة. هذه الرؤية، رغم عقلانيتها، لا تجد اليوم أي غطاء دولي حقيقي يُعزز فرص تطبيقها، خصوصًا في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة ترفض حتى مبدأ التفاوض.
إعادة تقييم شاملة لمسار التعامل مع الاحتلال
إذا كانت الرئاسة الفلسطينية تتحرك ضمن إطار القانون الدولي، فإن المشكلة لا تكمن في شرعية خطابها، بل في محدودية الأدوات، وعجز النظام الدولي نفسه أمام منطق القوة الغاشمة، وهو ما يجعل مطالبها المحقة تبدو أحيانًا وكأنها نداءات أخلاقية أكثر منها قرارات قابلة للتطبيق.
المطلوب اليوم ليس فقط استمرار الضغط السياسي، بل إعادة تقييم شاملة لمسار التعامل مع الاحتلال، وتطوير أدوات جديدة على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي، تستند إلى تصعيد قانوني وشعبي منسّق، وتُخرج القضية من دائرة التكرار الدبلوماسي العقيم، إلى مجال التأثير الفعلي والردع السياسي.