في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، يسعى الوسطاء الإقليميون والدوليون إلى إعادة تحريك مسار التهدئة عبر آلية وصيغة جديدتين من شأنهما استئناف المفاوضات المتوقفة بين إسرائيل وحركة “حماس”.
لكن في الميدان، لا يبدو أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تهدأ، إذ تواصل تل أبيب الضغط على السكان المدنيين عبر قصف مكثف يطال شمال القطاع ومدينة غزة، في محاولة لإجبارهم على النزوح من مناطق إيوائهم المؤقتة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا.
تصعيد ميداني “غير مسبوق” شمال القطاع
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن 58 فلسطينيًا على الأقل لقوا مصرعهم يوم الإثنين جرّاء غارات جوية إسرائيلية طالت عدة مناطق في القطاع.
ووصف سكان شمال غزة، في تصريحات لوكالة “رويترز”، الليلة الماضية بأنها كانت “من أشد الليالي دموية منذ أسابيع”، في وقت تتواصل فيه الضربات الجوية والمدفعية دون توقف، وسط أوضاع إنسانية متدهورة ونزوح قسري متسارع.
جهود الوساطة تتجدد… وصيغة جديدة لوقف إطلاق النار
على الجانب السياسي، تكثف القاهرة والدوحة من جهودهما الدبلوماسية سعياً لإحداث اختراق في جدار الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهرًا، والتي خلفت ما يزيد عن 56 ألف قتيل فلسطيني، بحسب مصادر محلية.
وتركز جهود الوسطاء حاليًا، وفق مصادر مطلعة، على التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، يكون بمثابة مدخل لاتفاق أوسع قد ينهي النزاع بشكل دائم.
وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن بلاده تعمل على صياغة اتفاق هدنة جديدة تشمل وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لمدة شهرين، مقابل إطلاق سراح عدد من الرهائن، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع “بأسرع ما يمكن”، على أمل أن تشكل هذه الخطوة زخمًا سياسيًا يدفع نحو وقف شامل للعمليات القتالية.
مفاوضات متقدمة واتصالات حثيثة
ومن جانبها، أفادت مصادر في حركة “حماس” لصحيفة “الشرق الأوسط”، أن الحركة لا تمانع الدخول في مسار تفاوضي أوسع يشمل إنهاء الحرب بالكامل، وذلك في حال التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هدنة الستين يومًا المقترحة.
وأشارت المصادر إلى أن اليوم الأول من دخول التهدئة حيز التنفيذ، في حال إقرارها، سيشهد مباشرة مفاوضات أعمق بإشراف الوسطاء، من بينهم الولايات المتحدة، لبلورة تفاهمات طويلة الأمد.
تعديل على المقترح الأميركي
وكشفت المصادر ذاتها أن تعديلات أُجريت مؤخرًا على المقترح الأميركي الذي قدمه المبعوث الخاص ستيف ويتكوف في 28 مايو/أيار الماضي، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وأوضحت أن حركة “حماس” ناقشت هذه التعديلات بشكل داخلي، لكنها لا تزال ترى أن بعض البنود “لا تفي بالمطالب الأساسية للشعب الفلسطيني”، في إشارة إلى قضايا تتعلق بإعادة الإعمار، ورفع الحصار، وضمانات بعدم تكرار العدوان.
اختبار حاسم للدبلوماسية الإقليمية
وبينما يستمر القصف، تبقى جهود الوساطة أمام اختبار بالغ الصعوبة، في ظل غياب الثقة بين الأطراف، وتعقيدات الميدان، وتشابك الأجندات الإقليمية والدولية.
لكن رغم التحديات، يراهن الوسطاء على أن معادلة “الهدنة مقابل الرهائن والمساعدات” قد تشكل نقطة انطلاق نحو مسار سياسي طويل الأمد، إذا ما تمكّن الجميع من الحفاظ على الحد الأدنى من التفاهمات المؤقتة.