منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تكبّد خسائر متزايدة في الأرواح والعتاد، رغم استخدامه لأقصى درجات القوة العسكرية وتفوقه التكنولوجي. الإعلان الأخير عن مقتل الجندي دانيلو موكانو في اشتباكات جنوب القطاع، بعد ساعات فقط من مقتل جندي آخر شمالًا، يعكس صورة غير مكتملة من الواقع الميداني الذي يبدو أكثر تعقيدًا مما تحاول القيادة الإسرائيلية تصويره.
تعتيم إعلامي إسرائيلي
الجيش الإسرائيلي يواجه مقاومة شرسة وغير تقليدية في غزة، تفرض عليه معارك ميدانية في بيئة حضرية معقدة، وهو ما يفسّر ارتفاع وتيرة الخسائر في صفوفه، خصوصًا في صفوف القوات البرية. إلا أن الملاحظ، هو التعتيم الإعلامي الذي يمارسه جيش الاحتلال، ومحاولاته الواضحة في إخفاء الحجم الحقيقي لهذه الخسائر عن الرأي العام الإسرائيلي. الإعلان عن مقتل جنديين فقط خلال 24 ساعة يبدو غير متسق مع التقارير الميدانية وشهادات شهود العيان في غزة، والتي تتحدث عن اشتباكات ضارية ومواجهات عنيفة في عدة محاور، وخاصة في الجنوب.
الرأي العام داخل إسرائيل بدأ يُظهر مؤشرات غضب وقلق متزايد بسبب طول أمد الحرب، وعدم وضوح الأهداف السياسية والعسكرية لها. وكلما ارتفعت أعداد القتلى في صفوف الجيش، زادت الضغوط على الحكومة، خصوصًا في ظل الانقسام السياسي الداخلي والتظاهرات المتكررة للمطالبة بإعادة الرهائن ووقف الحرب. لهذا، يرى الكثيرون أن قيادة الجيش تتعمد تقليص عدد القتلى المعلنين رسميًا، وتأجيل أو حتى إخفاء بعض التفاصيل حول عمليات القتال، في محاولة لضبط المزاج الشعبي ومنع أي انفجار سياسي داخلي.
تكلفة باهظة للحرب
أيضًا، لا يمكن تجاهل البُعد النفسي في هذه السياسة. فإظهار الجيش الإسرائيلي – الذي يُصوَّر دومًا كقوة لا تُقهَر – في موقف الضعف أو التعثر، يضر بصورة “الردع” التي تحرص المؤسسة العسكرية على ترسيخها أمام الجمهور، وأمام الخصوم على حد سواء. ولذلك، تُدار المعركة إعلاميًا بعناية لا تقل عن إدارتها ميدانيًا.
لكن هذه الإستراتيجية محفوفة بالمخاطر. فكلما تراكمت الفجوة بين الواقع وما يُعلن رسميًا، زادت احتمالية فقدان الثقة بالمؤسسة العسكرية والسياسية. وعند كشف الحقائق لاحقًا – كما حصل في حروب سابقة – قد تكون الكلفة السياسية والاجتماعية على الحكومة الإسرائيلية باهظة.
إخفاء حجم الخسائر
الواقع على الأرض في غزة لا يُخفي نفسه طويلاً، وأصوات الجنود العائدين من المعارك، ومقاطع الفيديو المسربة، وشهادات عائلات الجنود، جميعها ستفرض الحقيقة على الرواية الرسمية في نهاية المطاف. وكلما استمرت هذه الحرب، كلما أصبح من الصعب إخفاء حجم الخسائر، مهما حاولت تل أبيب أن تلبسها قناع “النجاحات التكتيكية”.