تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زمير، تمثل لحظة مفصلية في النقاش الداخلي الإسرائيلي حول مستقبل الحرب في غزة، وتكشف عن تباين واضح في الأولويات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية. ففي حين يدفع المستوى السياسي المتشدد، ممثلًا بوزراء مثل بتسلئيل سموتريتش، نحو تصعيد العمليات العسكرية دون شروط، يُحذّر رئيس الأركان من أن هذا التصعيد قد تكون له تكلفة مباشرة على حياة الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى حركة حماس.
ملف الرهائن على المحك
في جوهر تصريحه، يعترف زمير بأن الوضع الحالي للرهائن الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة – ويُعتقد أن عددهم لا يتجاوز الخمسين – يزداد سوءًا، ويُشير إلى أن هناك دلائل على تعذيب جسيم يتعرض له هؤلاء المحتجزون. هذه التصريحات، رغم أنها لم تُقدّم أدلة علنية، إلا أنها تحمل رسالة مزدوجة: الأولى موجهة للمستوى السياسي الإسرائيلي وتحذره من المخاطرة بحياة من تبقوا أحياء من الرهائن، والثانية للمجتمع الإسرائيلي والرأي العام، لتأطير أي قرار بعدم توسيع العملية العسكرية في سياق “حماية الأرواح” وليس التهاون مع حماس.
هذا الخطاب من زمير يمثل تحوّلًا في نغمة الجيش الذي كان، في مراحل سابقة من الحرب، أكثر انسجامًا مع توجهات القيادة السياسية نحو الحسم العسكري الشامل. اليوم، يبدو أن الجيش، أو على الأقل قيادته العليا، بدأت تُدرك حدود القوة المفرطة في تحقيق الأهداف، خاصة حين تكون إحدى أهم الأوراق السياسية والشعبية – وهي ملف الرهائن – على المحك. فالمغامرة بعملية عسكرية موسعة في هذه المرحلة قد تؤدي إلى مقتل من تبقى من الرهائن، ما سيُحدث شرخًا داخليًا حادًا في المجتمع الإسرائيلي، ويُفقد الحكومة الكثير من شرعيتها.
تنازلات سياسية مع حماس
في المقابل، تأتي انتقادات سموتريتش لتؤكد الانقسام الحاد داخل الحكومة الإسرائيلية. الوزير اليميني المتشدد لا يرى في تحذيرات زمير سوى إضعاف للروح القتالية، بل يعتقد أن تحقيق الهدفين معًا – هزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن – ممكن عبر القوة العسكرية فقط. هذا التوجه يعكس المدرسة السياسية التي ترى أن أي تفاوض مع حماس يمثل خضوعًا، وأن وقف إطلاق النار – حتى لو كان مؤقتًا – هو نوع من الانكسار أمام “الإرهاب”، على حد وصفهم.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يبدو أقرب إلى موقف سموتريتش، بدعوته إلى مواصلة “الحرب الحادة والسريعة”، رغم التحذيرات من تأثير ذلك على حياة الرهائن. هذا التضارب في التصريحات يضع إسرائيل أمام معضلة إستراتيجية: فهل تعطي الأولوية لإنقاذ حياة الرهائن، وهو موقف قد يتطلب تنازلات سياسية عبر اتفاق مع حماس؟ أم تواصل المعركة العسكرية المفتوحة التي قد تُنهي حياة من تبقى منهم وتُصعّد العزلة الدولية؟
قلق داخل الجيش الإسرائيلي
الدلالات الأعمق لتصريحات زمير تكمن في أنها تعكس قلقًا داخل الجيش من فقدان السيطرة السياسية على القرار العسكري، إذ أن التدخل المفرط من وزراء سياسيين – دون اعتبار للمعطيات الميدانية – يُهدد بمخاطر جسيمة، ليس فقط على الرهائن، بل على صورة الجيش ومكانته داخل إسرائيل وخارجها.
تصريحات زمير ليست مجرد تحذير تقني أو تقدير ميداني، بل تمثل موقفًا مؤسسيًا يُعيد التأكيد على أن الحرب ليست فقط ساحة لإظهار القوة، بل مجال لتقدير التوازن بين الكلفة الإنسانية والأهداف الإستراتيجية. فكلما طال أمد الحرب، زادت كلفتها على جميع المستويات، خاصة إذا كان الرهائن، الذين يشكلون نقطة ضغط إنساني وشعبي، يقعون في قلب هذه المعادلة القاسية.