شهد الشارع الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحولًا عميقًا في حالته النفسية، تجاوز مجرد القلق ليلامس حدود ما يمكن وصفه بـ”اضطراب ما بعد الصدمة الجماعية”. هذا التحول، الذي فجرته هجمات السابع من أكتوبر وتداعياتها المتمثلة في الحرب المتواصلة على قطاع غزة، بات سمة غالبة على السلوك اليومي للمواطن الإسرائيلي، كما يتضح من شهادات شخصية وتحليلات معمقة. لم تعد المسألة تقتصر على القلق من التهديدات الأمنية فحسب، بل امتدت لتشمل تدهورًا نفسيًا عامًا، يتجلى في مستويات غير مسبوقة من التوتر، ونفاد الصبر، وتصاعد العنف المجتمعي.
غضب الشارع الإسرائيلي
إن حادثة سرقة سيارة، على بساطتها الظاهرة، يمكن أن تكون نافذة لفهم هذه الحالة النفسية المعقدة. فالانفعالات العصبية الزائدة التي أبدتها الكاتبة الإسرائيلية نحما دوك خلال تعاملها مع الإجراءات البيروقراطية لسرقة سيارتها، لم تكن مجرد رد فعل فردي، بل كانت انعكاسًا لما سمته بـ”التوتر الجماعي الذي يعيشه الجميع”. هذا التوتر، الذي تفجر بشكل غير مسبوق منذ أحداث السابع من أكتوبر، بات أشبه بقنبلة موقوتة داخل كل فرد، ينتظر شرارة لكي ينفجر.
إن تزايد جرائم القتل، وتفشي نفاد الصبر في كافة مناحي الحياة، من الطرقات إلى الكنيست والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كلها مؤشرات واضحة على أن المجتمع الإسرائيلي يمر بأزمة نفسية عميقة تتطلب تدخلًا شاملًا، لدرجة أن طبيبًا وصف الأمر بسخرية مريرة بأنه يستدعي إضافة مضادات الاكتئاب إلى مياه الشرب العامة.
نتنياهو يتحمّل المسؤولية
في خضم هذا التدهور النفسي، يتصاعد الإحباط الشعبي والغضب تجاه القيادة السياسية، وتحديدًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُحمّل مسؤولية كبيرة عن هذا الوضع. فالشعب الإسرائيلي، الذي يعيش أطول حرب في تاريخ الدولة، على الرغم من التفوق العسكري الهائل مقارنة بعام 1948، يشعر بغياب الرؤية الواضحة والأفق للأزمة. التصريحات الرسمية التي تتحدث عن الضغط العسكري لتحقيق الأهداف، مثل الإفراج عن المحتجزين، تتهاوى أمام واقع لا يتغير. هذا الانفصال بين الوعود الرسمية والواقع المرير يزيد من حالة اليأس، ويغذي الشعور بأن القيادة منشغلة ببقائها السياسي أكثر من اهتمامها بالمعاناة الحقيقية لشعبها.
إن غياب الشفافية والوضوح في إدارة الحرب، وعدم وجود يد توجه الأمور، يزيد من هذا الإحباط. فالمواطنون، الذين يدفعون ثمنًا باهظًا لحرب بلا أفق، يتوقون إلى خطاب أمل ورؤية تبعث على الطمأنينة، بدلاً من تكرار الشعارات الفارغة. كما أن قضية التهرب من الخدمة العسكرية لبعض الفئات، بينما يخدم آخرون في الاحتياط، تزيد من الشرخ الاجتماعي وتعمق الشعور بالظلم، مما يساهم في تغذية الغضب الشعبي ضد القيادة التي تتغاضى عن هذه الامتيازات.
إن هذه الحرب الطويلة، التي لا يبدو لها نهاية واضحة، تفاقم من حالة “اضطراب ما بعد الصدمة الجماعية” وتدفع المجتمع الإسرائيلي نحو حافة الهاوية، في ظل قيادة تبدو عاجزة عن تقديم الحلول أو حتى بصيص أمل.