أتت تصريحات الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في يوم التشييع الذي شهدته الساحة اللبنانية، لتكون نقطة تحول محورية في تاريخ الحزب السياسي، حيث تطرقت إلى قضايا كانت محط جدل داخلي ودولي على حد سواء، لا سيما تلك المتعلقة بمستقبل سلاح الحزب والهيمنة السياسية الإقليمية.
وكانت هذه الكلمة بمثابة إعلان عن تحولات في مواقف الحزب، حيث اختلط فيها الحديث عن “إيجابيات” مفترضة و”سلبيات” تاريخية تشكل ملامح السياسة اللبنانية الحالية.
بحسب المراقبين، فإن أولى النقاط التي أثارت الانتباه في كلام قاسم هي التزام الحزب “ببناء الدولة” تحت سقف اتفاق الطائف، وهو التصريح الذي يُعتبر تحوّلاً لافتًا في موقف الحزب من الدولة اللبنانية. هذا الإعلان يطرح تساؤلات عن مستقبل سلاح الحزب، الذي طالما كان موضوعًا للجدل السياسي في لبنان، والذي كان يُعتبر سلاحًا غير شرعي. حديث قاسم عن الانخراط في بناء الدولة تحت إطار الطائف، قد يشير إلى رغبة الحزب في تعديل نهجه، وتخفيف الضغوط حول وجود سلاح موازٍ للجيش اللبناني.
ويضيف المراقبون، “أما النقطة الثانية التي تستحق التوقف عندها هي إشارة قاسم إلى “نهائية لبنان كوطن لجميع أبنائه”، وهو اعتراف غير مسبوق بالنظام السياسي اللبناني كإطار جامع لجميع الطوائف والمكونات، بعدما كان الحزب مرتبطًا في السابق بإيديولوجية “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية، وهي فكرة كانت تثير القلق حول هيمنة إقليمية على لبنان. تصريحات قاسم تُعد بمثابة انفتاح على رؤية سياسية جديدة، تؤكد على السيادة الوطنية اللبنانية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، خاصة من إيران. هذا التحول الفكري قد يكون بداية لتغيير في السياسة الخارجية للحزب، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية ترجمة هذا التحول إلى أفعال على الأرض.
ومن جهة أخرى، جاء إقرار قاسم بأن “الوقت قد حان للدبلوماسية” ليشكل نقطة فارقة، حيث دعا إلى التركيز على الحلول السياسية والتفاوضية بعيدًا عن الأعمال العسكرية. ولكن هنا تكمن المفارقة، إذ أن حزب الله لا يزال يمتلك سلاحًا خارج سيطرة الدولة اللبنانية، ويظل السؤال قائمًا حول كيفية التوفيق بين سياسة “الدبلوماسية” ووجود قوة عسكرية موازية للجيش الوطني.
وفقاً للمراقبين، كان تأكيد قاسم على “دور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان” خطوة إيجابية في الخطاب، حيث يشير إلى إمكانية تخلي الحزب عن فكرة أنه القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان، في حال تم التوافق السياسي داخل الدولة على هذا الأمر. ولكن، في الوقت نفسه، يبقى التنفيذ الفعلي لهذا الاعتراف مشوبًا بالغموض، إذ أن أي حديث عن “الجيش” في لبنان لا يمكن فصله عن معادلة سلاح حزب الله الذي طالما شكل حجر عثرة في تطبيع العلاقات بين الحزب والدولة.