في خضم تصعيد عسكري متواصل على جبهة الجنوب اللبناني، يواصل «حزب الله» إطلاق رسائل متباينة حيال مستقبل سلاحه، وسط ضغط أميركي متزايد لمحاولة احتواء التوترات وضمان استقرار لبنان.
وبينما تشتد التحركات الدبلوماسية لإيجاد مخرج للأزمة، يتعقد المشهد الداخلي بفعل تمسك الحزب بخطاب المقاومة المشروط، مقابل دعوات داخلية وخارجية للتخلي عن السلاح ضمن تسوية شاملة.
الورقة الأميركية: فرصة أم فخ سياسي؟
تتمحور الورقة الأميركية التي وصلت بيروت قبل أسابيع حول مقترح متكامل لنزع سلاح «حزب الله» في إطار صفقة إقليمية أوسع، وتشير مصادر حكومية لبنانية إلى أن الوثيقة تتضمن ضمانات سياسية وأمنية، مقابل إنهاء حالة السلاح الموازي داخل الدولة.
ورغم أن بعض القيادات اللبنانية – ومنهم رئيس الجمهورية جوزيف عون – أبدوا انفتاحاً على مناقشة المقترحات، إلا أن موقف «حزب الله» لا يزال غامضاً.
في الوقت الذي صرح فيه قياديون في الحزب بأنهم “لا يخضعون للابتزاز” وأن “المقاومة مستمرة”، صدرت عن الكتلة النيابية التابعة للحزب إشارات أكثر واقعية، إذ اشترطت أولاً “انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من المناطق المتنازع عليها جنوباً” كشرط للنقاش حول نزع السلاح.
هذا الخطاب المزدوج يُفهم على أنه محاولة لكسب الوقت وامتصاص الضغوط الدولية من جهة، وطمأنة القواعد الشعبية للحزب من جهة أخرى.
الجنوب يشتعل مجدداً.. إسرائيل تعيد سيناريو 2006؟
على الأرض، تسارعت وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، حيث استهدفت قرى حدودية بموجات من التوغلات وعمليات تفجير مبانٍ مشتبه باستخدامها لأغراض عسكرية.
وتتهم تل أبيب «حزب الله» بإعادة تحصين مواقعه، بينما يعتبر الحزب هذه التحركات “عدواناً” يتطلب “الرد المناسب في الزمان والمكان المناسبين”، بحسب بيان صدر مؤخراً عنه.
رئيس الحكومة نواف سلام يقود مشاورات حساسة لإعداد رد لبناني موحد على الورقة الأميركية، في محاولة لمنع تفكك الموقف الرسمي. ووفق مصادر دبلوماسية، فإن لقاء سلام مع الرئيس جوزيف عون والسفير المصري علاء موسى كان محورياً، حيث نقل الأخير انطباعاً أن الرئيس “يتعامل بواقعية” مع الملف، لكنه أشار إلى “تفاصيل لا تزال بحاجة للمعالجة”.
مصر تدخل على خط الوساطة.. ودور إقليمي يتعاظم
السفير المصري في بيروت، علاء موسى، كان حاضراً في المشهد بقوة، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين لبنانيين لمحاولة تقريب وجهات النظر وتجنب انفجار سياسي أو أمني محتمل.
وتقول مصادر قريبة من الوسيط المصري إن القاهرة “ترى في استقرار لبنان أولوية استراتيجية”، وتدعم أي مسار يؤدي إلى تحجيم النفوذ المسلح خارج مؤسسات الدولة.
هل بات تسليم السلاح خياراً حتمياً؟
رغم تأكيد «حزب الله» المتكرر على أن “سلاح المقاومة ليس مطروحاً على الطاولة”، إلا أن تصاعد الضغوط الأميركية، والانقسامات الداخلية، والتكلفة السياسية المتزايدة لحالة اللااستقرار، قد تدفع بالحزب إلى الانخراط – ولو مرحلياً – في مسار تفاوضي محدود، لا سيما إذا اقترنت المقترحات بضمانات أمنية تشمل الجنوب وغطاء دولي واسع.
في ظل استمرار الغموض، تزداد المخاوف في الأوساط اللبنانية والدولية من أن أي تصعيد ميداني غير محسوب قد يشعل مواجهة شاملة مشابهة لحرب 2006، خاصة أن التوترات الإقليمية لم تهدأ، والضغوط الأميركية – الإسرائيلية متواصلة، مما يجعل التوقيت حساساً لأي خطوة قد تتخذها الأطراف.
موقف المجتمع الدولي: ترقب حذر وتأييد للحل السلمي
المجتمع الدولي يتابع باهتمام بالغ ما يجري في لبنان، مع تأكيد الدول الغربية والأمم المتحدة على أهمية الحوار الداخلي وتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. ومن المتوقع أن يزور موفد أميركي بيروت قريباً لاستكمال المشاورات، وسط رهانات على دور فرنسي داعم للحل السياسي.
لبنان يعيش لحظة حرجة في تاريخه السياسي والأمني. فبين واقع اقتصادي منهار، وتصعيد عسكري على حدوده، وضغوط خارجية لإعادة هيكلة المعادلة الداخلية، تبدو مسألة سلاح «حزب الله» اليوم أكثر من مجرد ملف داخلي، بل جزء من معادلة إقليمية كبرى، قد تحدد مستقبل البلد لعقود قادمة.