مع اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية في لبنان وتضاؤل النفوذ الإيراني في سوريا نتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية، يبدو أن حزب الله اللبناني قد بدأ يبحث عن ساحات بديلة لتعويض تراجعه الاستراتيجي، ويأتي العراق في مقدمة تلك الساحات.
مصادر أمنية وسياسية متقاطعة تشير إلى أن الحزب بات ينشط بهدوء داخل العراق عبر واجهات أمنية وسياسية واقتصادية، مستفيدًا من حالة الانقسام الداخلي وضعف الدولة المركزية، إضافة إلى علاقاته المتينة مع الفصائل المسلحة المنضوية ضمن “الحشد الشعبي”.
لبنان وسوريا… ساحة تتحول إلى عبء
يعاني حزب الله منذ سنوات من ضغوط متراكمة في لبنان، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد وقلّصت من قاعدة دعمه الشعبية. كما أن مشاركته المستمرة في الحرب السورية أصبحت عبئًا ميدانيًا وماليًا، لا سيما بعد تضاؤل الدور الإيراني هناك بفعل الضربات الإسرائيلية المكثفة والتقارب العربي مع دمشق.
يقول المحلل اللبناني مكرم رباح:
“حزب الله لم يعد يستطيع الاعتماد على لبنان كساحة حاضنة للنفوذ أو التجنيد، ولا على سوريا كخط إمداد آمن. لذلك، التوجه نحو العراق ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية بالنسبة له.“
العراق… ساحة رخوة وفرصة للتمدد
في العراق، يملك حزب الله بوابة جاهزة تتمثل في علاقاته العضوية مع “كتائب حزب الله العراق”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”، وهي فصائل تدين بالولاء العقائدي والسياسي لإيران، وتحمل سمات تنظيمية مستوحاة من حزب الله نفسه.
وبحسب تقرير صادر عن “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، فقد تم رصد نشاط متزايد لعناصر من حزب الله في محافظة النجف والحدود العراقية السورية، حيث يقومون بتدريب كوادر محلية على تقنيات استخبارية واستخدام الطائرات المسيّرة، فضلًا عن الإشراف على مشاريع اقتصادية تمولها شركات واجهة.
يقول الباحث في الشأن العراقي هشام الهاشمي (قبل اغتياله، كان قد أشار في دراسات سابقة إلى هذا التوجه):
“حزب الله اللبناني يلعب دور المستشار والموجه في العراق، وهو ليس مجرد ضيف، بل جزء من هيكلية الحشد ذاتها.“
أبعاد إقليمية وتحولات إيرانية
يرتبط هذا التوسع أيضًا بتحول في الاستراتيجية الإيرانية، التي باتت تركز على لامركزية النفوذ، أي توزيع الأوراق بين كيانات متعددة بدل الاعتماد على حليف مركزي واحد. ففي ظل الاستنزاف الكبير الذي يواجهه الحرس الثوري في سوريا ولبنان، بات العراق يمثل العمق الأكثر أمانًا واستقرارًا نسبيًا لمشروع “الممانعة”.
الخبير الإيراني المعارض مهدي خلجي يرى أن “العراق بات الآن مخزن النفوذ الإيراني، وحزب الله يلعب دور الوكيل الخارجي لإيران داخله. هذا الدور سيستمر ويتطور ما لم تحدث مواجهة صريحة مع واشنطن أو تصعيد داخلي عراقي ضد الهيمنة”.
مخاوف داخلية عراقية
في المقابل، يعبّر مسؤولون عراقيون عن قلقهم المتزايد من هذا التغلغل غير المعلن. أحد نواب البرلمان العراقي (طلب عدم ذكر اسمه) قال في تصريح خاص:
“وجود حزب الله داخل العراق، وإن كان غير ظاهر، إلا أنه يعزز منطق الدولة داخل الدولة، وهو ما يعيد إنتاج تجربة لبنان بكل تبعاتها.“
كما تخشى قوى مدنية عراقية من أن يؤدي تعاظم النفوذ الميليشياوي المرتبط بحزب الله إلى تقويض العملية السياسية الهشة، وإلى مزيد من العزلة الدولية للعراق، خصوصًا في ظل التوتر الأميركي الإيراني المستمر.
إعادة تموضع ضروري
يبدو أن حزب الله يعيد تموضعه الإقليمي بعد سنوات من الانخراط المباشر في لبنان وسوريا، والعراق بات الآن محطة بديلة مفتوحة على كل الاحتمالات. وبينما ترى طهران في هذا التوسع استثمارًا طويل الأمد، ترى واشنطن وحلفاؤها خطرًا متزايدًا على استقرار العراق والمنطقة ككل.