أثار حكم قضائي أصدرته محكمة تونسية بالسجن ستة أشهر على موقوف رفض مشاهدة تقرير تلفزيوني عن نشاط للرئيس قيس سعيّد، موجة من الجدل حول حدود حرية التعبير داخل المؤسسات السجنية، ومدى تسرب السياسة إلى تفاصيل الحياة اليومية حتى خلف القضبان.
الحادثة وقعت في أحد سجون ولاية قفصة، وفق ما أفادت به الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي نشرت بيانًا يؤكد أن السجين عبّر عن رفضه مشاهدة النشرة الإخبارية التي كانت تعرض نشاطًا رسميًا للرئيس. ووفق البيان، أبدى الموقوف امتعاضه خلال بث النشرة، ما أثار حفيظة أحد زملائه في الزنزانة، الذي قام بإبلاغ إدارة السجن، لينطلق تحقيق خلُص إلى توجيه تهمة للموقوف ومحاكمته على خلفية الحادثة.
محامي الموقوف، الأستاذ عادل الصغير، أوضح في تصريحات لوكالة “الصحافة الفرنسية” أن موكله لم يكتفِ برفض مشاهدة التقرير، بل تلفّظ بشتائم وطلب تغيير القناة لدى ظهور صورة سعيّد، وهو ما اعتبر سلوكًا مسيئًا في محيط خاضع لرقابة شديدة. وأشار المحامي إلى أن القضية بدأت بتوجيه تهمة تتعلق بالإساءة إلى رئيس الجمهورية، إلا أن المحكمة اختارت لاحقًا إعادة تكييفها قانونيًا لتندرج تحت تهمة “المس بالأخلاق العامة”، تجنبًا لما وصفه بـ”تسييس الملف”.
المفارقة أن الموقوف، وفق المحامي، كان قد بُرّئ من التهم الأصلية التي دخل السجن بسببها، وكان يُنتظر إطلاق سراحه، قبل أن يُفاجَأ أقرباؤه بوجود حكم جديد صادر في حقه على خلفية واقعة القناة التلفزيونية.
القضية، وإن بدت في ظاهرها ذات بعد قانوني تأديبي داخلي، فإنها سلطت الضوء على طبيعة المناخ العام الذي تعيشه تونس، حيث تتوسع الهوّة بين السلطة التنفيذية ومجتمع الحقوق والحريات. فقد اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن الحكم “يثير القلق حول مدى احترام الحق في الرأي والتعبير”، خاصة أن ما صدر عن السجين لم يكن سلوكًا عدوانيًا، بل “تعليقًا ساخرًا أو غاضبًا”، كما جاء في بيانها.
في الخلفية، يستمر الجدل في تونس حول ما يصفه نشطاء بـ”التمدد المفرط للسلطة الرئاسية”، منذ الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس سعيّد في صيف 2021، والتي شملت تجميد البرلمان ثم حله لاحقًا، إلى جانب إصدار دستور جديد عزز صلاحيات الرئاسة على حساب السلطتين التشريعية والقضائية.
وبينما ترى الحكومة الحالية أن ما جرى ويجري هو “تصحيح لمسار الثورة” واستعادة لهيبة الدولة، تُعبّر منظمات المجتمع المدني عن مخاوف متزايدة من تآكل الضمانات الحقوقية، حتى داخل مؤسسات يُفترض أن تبقى خارج التجاذبات السياسية، مثل القضاء والسجون.
في هذا السياق، تُطرح القضية كمؤشر إضافي على طبيعة العلاقة المتوترة بين السلطة ومحيطها النقدي، وحتى أولئك القابعين خلف الأسوار، والذين بات يُطلب منهم أحيانًا أن يُظهروا الولاء… ولو بصمت.