تشهد إسرائيل، بعد مرور ما يقارب عامين على بدء الحرب في غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023، تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة، تزداد حدتها مع استمرار المعارك، وتصاعد الانتقادات داخليًا وخارجيًا لسياسات الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو. وفي ظل انسداد أفق التسوية، تتعاظم التحذيرات من الانهيار، ليس فقط في غزة بل في الداخل الإسرائيلي نفسه، وسط مؤشرات مقلقة لانهيار اقتصادي تدريجي، وعزلة سياسية، وارتفاع غير مسبوق في مستويات الكراهية العالمية تجاه إسرائيل.
انهيار الثقة الداخلية وتآكل الاقتصاد
الزعيم المعارض يائير غولان، في تصريحاته الأخيرة، وضع إصبعه على الجرح، مشيرًا إلى أن إسرائيل اليوم ليست في طريق “الانتصار” كما تدّعي الحكومة، بل تتجه نحو الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، بسبب غياب استراتيجية خروج من الحرب، ورفض أي تسوية سياسية قد تضع حدًا لهذا النزيف.
ميزانية الدولة باتت ترزح تحت عبء الإنفاق العسكري الضخم الذي فرضته الحرب، إلى جانب تحويل موارد هائلة نحو تمويل المستوطنات في الضفة الغربية، وإرضاء الأحزاب الدينية والمتشددة، وهي سياسات وصفها غولان بأنها تفرّغ الاقتصاد من محتواه وتزيد من عدم المساواة الاجتماعية داخل إسرائيل نفسها.
التقارير الصادرة من مؤسسات إسرائيلية تؤكد ما ذهب إليه غولان؛ فقد شهدت نسبة البطالة ارتفاعًا ملحوظًا، خاصة في قطاع السياحة والخدمات، حيث هجر المستثمرون الأسواق الإسرائيلية، وألغيت العديد من المشاريع الدولية بسبب الوضع الأمني غير المستقر. كما تشير بيانات مراكز أبحاث اقتصادية إلى تراجع ملحوظ في معدل النمو الاقتصادي، مع ارتفاع مستويات التضخم وتآكل القدرة الشرائية للمواطن العادي.
ضياع الدعم الأميركي.. خطر إستراتيجي
من أبرز القضايا التي أثارها غولان هي إمكانية خسارة المساعدات الأميركية السنوية التي تقدّر بـ3.8 مليارات دولار، والتي تمثل عمادًا أساسيًا في دعم الجيش والقطاعات الأمنية واللوجستية. فبينما تتزايد الأصوات في واشنطن، خاصة من داخل الحزب الديمقراطي، المطالِبة بإعادة النظر في الدعم غير المشروط لإسرائيل، فإن العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية الحالية تشهد توتراً متزايداً.
غولان أشار بوضوح إلى أن نتنياهو، الذي كان يُفترض به أن يكون شريكاً إستراتيجياً للولايات المتحدة، اختار التحالف مع رموز يمينية متطرفة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، مفضلاً خطابات القوة والشعبوية على الدبلوماسية الواقعية، ما عزز من النظرة السلبية إلى إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، حتى بين بعض من كانوا يُعدّون داعمين تقليديين لها.
الكراهية المتزايدة: الوجه الآخر للحرب
واحدة من أخطر النتائج غير المباشرة لهذه الحرب الطويلة، هي تصاعد موجات الكراهية تجاه إسرائيل في مختلف أنحاء العالم، ليس فقط من الشعوب، بل حتى من بعض الحكومات. الصور القادمة من غزة – منازل مدمرة، أطفال تحت الأنقاض، مجازر جماعية – تترك أثرًا عميقًا في الوعي العالمي، وتحوّل الرأي العام تدريجيًا ضد إسرائيل، وتضعها في موقع المُعتدي، لا المُعتدى عليه.
المظاهرات في العواصم العالمية، من لندن إلى نيويورك، ومن باريس إلى جوهانسبرغ، باتت شبه يومية، تطالب بوقف الدعم لإسرائيل وفرض عقوبات عليها. الجامعات الغربية تشهد حملات مقاطعة واسعة، سواء أكاديميًا أو اقتصاديًا، ما يهدد بعزل إسرائيل ثقافيًا وعلميًا.
هذه الموجة العالمية من الغضب ليست مجرد انفعال عابر، بل انعكاس لتحول حقيقي في صورة إسرائيل، من دولة “محاطة بالأعداء وتدافع عن نفسها”، إلى دولة تفرض الحصار وتشن الحروب الطويلة دون رادع، على شعب محاصر منذ سنوات.
تصاعد الكراهية العالمية
بين الإنهاك الاقتصادي الداخلي، وتفكك العلاقات مع الحليف الأكبر في واشنطن، وتصاعد الكراهية العالمية، تجد إسرائيل نفسها اليوم عالقة في مأزق تاريخي. حكومة نتنياهو، من خلال تعنّتها ورفضها لأي تسوية سياسية، لا تقود البلاد نحو النصر، بل نحو عزلة خانقة. ومع كل يوم جديد من الحرب، تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا، ليس فقط من ميزانيتها، بل من مكانتها في العالم ومن تماسكها الداخلي.
وفي هذا السياق، يبدو أن التهديد الحقيقي لكيان الدولة الإسرائيلية لم يعد يأتي فقط من أعدائها، بل من داخلها، من قرارات قادتها، ومن حربٍ بلا أفق، تُفقدها الأصدقاء وتستنزف حاضرها ومستقبلها.