في ظل التصاعد المستمر في عدد الوفيات داخل السجون الإسرائيلية، تُصدر حركة “حماس” بياناتها بشكل دوري لتؤكد على دورها القيادي في الدفاع عن الأسرى، في محاولة واضحة لتكريس نفسها كقوة سياسية وميدانية وحيدة تتحدث باسم الفلسطينيين، وتُقوّض في المقابل موقع السلطة الفلسطينية وتهمش أدوارها. غير أن هذا الخطاب، رغم ما يتضمنه من شعارات قوية ولغة ثورية، لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع الذي تتحرك فيه “حماس”، والذي بات من الواضح أنه يتسم بالتناقض بين الواقع الكارثي في غزة والطموحات السلطوية للحركة.
حماس أعطت لإسرائيل الذريعة لجرائم الإبادة
حماس، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، تسعى لتقديم نفسها على أنها “الوصية الشرعية” على نضال الفلسطينيين، سواء عبر مواجهة الاحتلال أو عبر الدفاع عن الأسرى في سجونه، لكن واقع الحال في قطاع غزة يرسم صورة مختلفة تمامًا. القرار العسكري الذي اتخذته الحركة في السابع من أكتوبر، والذي اتسم بالعشوائية وانعدام الحسابات السياسية والعسكرية، جرّ على القطاع دمارًا غير مسبوق، لا تزال تداعياته الإنسانية والسياسية تُنهك الفلسطينيين في الداخل وتضعف الموقف الفلسطيني دوليًا.
وفي هذا السياق، تصبح تصريحات حماس بشأن الأسرى جزءًا من محاولة استعادة زمام المبادرة والتغطية على ما يُنظر إليه كفشل سياسي وأخلاقي في تقدير كلفة الحرب على المدنيين. فالحركة التي تطالب بالتحرك الدولي لوقف “الإعدامات البطيئة”، هي ذاتها التي تسببت بشكل مباشر في عزل غزة دوليًا، وأعطت لإسرائيل الذريعة لتوسيع عملياتها إلى مستوى إبادة جماعية، كما وصفتها العديد من المنظمات الحقوقية. بالتالي، فإن حديثها عن الأسرى، رغم أهميته، يبدو وكأنه محاولة لتغيير العنوان والهروب من المسؤولية عن قراراتها المصيرية.
تكريس الانقسام السياسي
الأكثر إرباكًا هو أن حماس لا تزال تصرّ على التصرف كجهة سيادية، وتصدر بيانات تمثّل كل الفلسطينيين، متجاهلة تمامًا السلطة الفلسطينية التي تُخوض على جبهات متعددة — سياسية ودبلوماسية — معارك لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في المحافل الدولية، وتثبيت حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة. السلطة، وتُحاول بناء تحالفات طويلة الأمد، وإعادة الاعتبار للقضية بعيدًا عن العنف والمواجهة المكلفة.
لكن حماس، برفضها الإقرار بخطورة تحركاتها، لا تتسبب فقط في تكريس الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، بل تساهم فعليًا في تقويض جهود السلطة أمام المجتمع الدولي، حيث تظهر الصورة وكأن الفلسطينيين ليس لديهم مشروع وطني موحّد، بل مشاريع متنافسة، أحدها عسكري وآخر دبلوماسي.
إثبات الشرعية
خطاب حماس عن الأسرى يجب ألا يُفصَل عن نواياها السياسية. فهو ليس فقط تضامنًا إنسانيًا، بل هو جزء من محاولة مستمرة لإثبات شرعية سلطة تآكلت بفعل قرارات غير مدروسة، وأصبحت عبئًا على مشروع التحرر الفلسطيني أكثر مما هي جزءٌ فاعل منه.
استمرار الحركة في تجاهل المسؤولية السياسية والأخلاقية عما جرى منذ 7 أكتوبر يُفقدها المصداقية، ويُطيل أمد معاناة شعب يعيش بين أنقاض الحرب، ويبحث عن قيادة مسؤولة تضع مصلحته فوق كل الحسابات الفئوية.