منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، تكبد القطاع خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة. في ظل هذا التصعيد، كشفت مصادر عسكرية إسرائيلية أن حركة حماس تتجنب المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلي، مفضّلة الحفاظ على قوتها العسكرية للمرحلة القادمة.
ورغم القصف المستمر والتدمير الواسع، يبدو أن حماس تراهن على البقاء كقوة قائمة في القطاع، حتى على حساب الكلفة الباهظة التي يدفعها السكان المدنيون.
في الوقت الذي تراهن فيه حماس على استمرار حضورها في معادلة الصراع، فإن قطاع غزة ينزف على كل الأصعدة. الكارثة المادية والإنسانية غير مسبوقة، ومصير المدنيين بات معلقًا بين مطرقة العدوان الإسرائيلي وسندان الصراع على النفوذ. يبقى السؤال الملح: هل يمكن لأي مشروع مقاومة أن ينجو على أنقاض شعب مكلوم؟
حجم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة
تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 34,000، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية. إصابة عشرات الآلاف، كثير منهم بإعاقات دائمة، وسط انهيار شبه كامل في الخدمات الطبية.
ووقع دمار كلي أو جزئي طال أكثر من 80% من البنية التحتية المدنية، بما في ذلك منازل، مدارس، مساجد، ومرافق صحية. نحو 1.9 مليون نازح يعيشون في ظروف قاسية دون ماء نظيف أو كهرباء أو خدمات طبية.
وباتت الغالبية العظمى من المستشفيات خارج الخدمة. ومدارس وكالة الأونروا تحولت إلى ملاجئ مؤقتة، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. وبحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية، فإن حماس تعتمد سياسة القتال غير المباشر، عن طريق زرع العبوات الناسفة، عمليات نوعية محدودة، والكمائن وتجنب الاشتباك المفتوح.
يرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إطالة أمد الصراع دون الدخول في معركة استنزاف، والحفاظ على ما تبقى من الذراع العسكري، والرهان على صمود طويل الأمد يؤدي إلى وقف إطلاق نار بشروط تحفظ وجودها.
الكلفة التي يدفعها المدنيون
أكثر من 90% من سكان القطاع يفتقرون إلى الغذاء الكافي والماء الصالح للشرب. المجاعة بدأت تفتك بأطفال شمال غزة، بحسب تقارير أممية. بالإضافة إلى انتشار الأمراض المعدية بسبب التلوث وانهيار منظومة الصرف الصحي. والأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور مع تعثر دخول المساعدات الإنسانية.
فقدان الأمل والاستقرار الاجتماعي
تزايد الأصوات في الشارع الغزّي المتسائل عن جدوى استمرار الحرب. حدوث شروخ في النسيج المجتمعي مع ارتفاع عدد الضحايا من العائلات المدنية. ورغم الحصار، والدمار، والضغوط الإقليمية والدولية، لا تزال حماس تركز على الاحتفاظ بسيطرتها العسكرية والسياسية على قطاع غزة.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه ينبع من: رغبة في البقاء كقوة تفاوض مستقبلية في أي تسوية سياسية وعدم الثقة في البدائل السياسية المطروحة، خاصة تلك التي تتحدث عن إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة. والإيمان بأن الانهيار العسكري الكامل يعني تصفية المشروع السياسي للحركة.
وتواجه حماس معضلة وجودية: كيف تحافظ على “مقاومتها” دون أن تفقد شعبها. في المقابل، تسعى إسرائيل إلى استنزاف البنية التحتية العسكرية والضغط على السكان لدفعهم نحو رفض الحكم الحمساوي، في محاولة لإضعاف شرعية الحركة.