تصريحات حركة «حماس» الأخيرة بشأن رفض الآلية الإسرائيلية المقترحة لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تكشف عن عمق الأزمة التي تحيط بملف الإغاثة الإنسانية في القطاع، وتعكس تشابكًا معقدًا بين الجوانب الإنسانية والسياسية والعسكرية، حيث أصبحت المساعدات الغذائية والطبية أداة ضمن معركة الإرادات بين الاحتلال من جهة، و«حماس» والقوى الفلسطينية من جهة أخرى. لكن في الوقت ذاته، فإن إصرار «حماس» على التمسك بالمواقف السياسية دون تقديم تنازلات لإنقاذ المدنيين يثير تساؤلات حقيقية حول التوازن بين المبدأ والمصلحة الإنسانية.
تسييس المساعدات
من منظور «حماس»، فإن مقترحات إسرائيل بشأن إدارة وتوزيع المساعدات تمثل، حسب قولها، “ابتزازاً سياسياً” يهدف لتكريس دور الاحتلال كمتحكم بالمشهد الإنساني داخل غزة، بدلًا من أن يتحمل مسؤوليته القانونية كقوة احتلال وفق اتفاقيات جنيف. وهذا الطرح يجد له صدى لدى جهات أممية وحقوقية طالما حذرت من تسييس المساعدات، خصوصاً إذا كانت تُستخدم كوسيلة ضغط لتعديل مواقف الفصائل أو فرض ترتيبات أمنية تحت غطاء إنساني.
غير أن الإشكالية الأعمق تكمن في أن هذا الموقف، رغم شرعيته القانونية والسياسية، يحمل تبعات إنسانية كارثية. قطاع غزة، كما أكدت تقارير برنامج الأغذية العالمي، على وشك الانهيار الكامل، وقد نفد فعليًا مخزون الغذاء في كثير من المناطق، بينما يواجه السكان خطرًا حقيقيًا بالمجاعة، خصوصًا الأطفال والمسنين. في هذه الأجواء، يبدو أي تأخير أو اشتراط سياسي وكأنه مفاقمة مقصودة للأزمة.
تقويض سلطة حماس
وهنا يبرز النقد الأكثر حضورًا: هل من المنطقي الإصرار على رفض الآليات المقترحة، حتى وإن كانت مجتزأة أو غير مثالية، في وقت يموت فيه الناس من الجوع؟ فحتى إذا كانت إسرائيل تسعى لاستخدام المساعدات كأداة للضغط أو لتقويض «حماس» سياسيًا، فإن الرد على ذلك يجب ألا يكون بحرمان السكان من الغذاء، بل بالتعاطي البراغماتي مع الوقائع لضمان إنقاذ الأرواح أولاً، ثم العودة إلى مواجهة الترتيبات الظالمة من موقع قوة شعبية ودولية.
حركة «حماس» تقول إن هذه المقترحات تسعى لتقويض سلطتها أو إعادة هندسة النظام الإداري في غزة، ولكن في المقابل، فإن فشلها في تقديم مرونة ميدانية — سواء على صعيد التهدئة أو قبول دور أكبر للمؤسسات الدولية في توزيع المساعدات — يُعرّضها لاتهامات باستخدام الأزمة كوسيلة لحماية نفوذها، ولو على حساب معاناة المدنيين.
إصرار «حماس» على حصر توزيع المساعدات بالمؤسسات الدولية فقط هو موقف مبدئي يلقى تفهمًا على الصعيد الحقوقي، لكنه يصبح مكلفًا على المستوى العملي حين يتأخر وصول الغذاء أو يُشترط بالمعابر والآليات، خصوصًا إذا علمنا أن الاحتلال لا يُظهر أي نية حقيقية لإنهاء الحصار أو السماح بانسيابية حقيقية للمساعدات، بل يوظف الشروط والرقابة كورقة ضغط على كافة الأطراف.
مكاسب سياسية وأمني
لا يمكن تبرئة إسرائيل من المسؤولية الرئيسية عن هذه الكارثة، ولا يمكن تجاهل استراتيجيتها الواضحة في استخدام الحصار والتجويع كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية. لكن هذا لا يُعفي «حماس» من مسؤولية أخلاقية وسياسية بالتعاطي بمرونة أكبر حين تكون حياة المدنيين على المحك، خصوصاً أن التحركات الدولية — كما تشير الوقائع — ما زالت بطيئة، وتحتاج إلى تعاون جميع الأطراف لتجنب الأسوأ.
ربما تكمن المعضلة في السؤال التالي: هل تحمي «حماس» مشروعها الوطني أم تُساهم – ولو دون قصد – في تفاقم معاناة الناس باسم هذا المشروع؟ وهو سؤال يجب أن تجيب عليه الحركة، لا فقط في خطاباتها، بل في أفعالها على الأرض.