رحّبت حركة “حماس” الفلسطينية، يوم السبت، بمخرجات القمة العربية الرابعة والثلاثين التي احتضنتها العاصمة العراقية بغداد، مثمنة ما وصفته بالمواقف “الواضحة والجريئة” التي دعا إليها القادة العرب في كلماتهم وبياناتهم، وخصوصاً تلك التي نادت بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية.
إلا أن هذا الترحيب الذي جاء في خضم عدوان مستمر منذ شهور، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي أوصل غزة إلى ما هي عليه اليوم. فبين ترحيب حماس بالقمة، ومعاناة المدنيين، تقع مسؤولية مزدوجة تتحملها كل من حركة “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، بدءًا من تداعيات هجوم 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الشاملة على القطاع، وصولًا إلى الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة.
ترحيب رسمي وتثمين للمواقف
في بيانها، أشادت حماس بالمضامين السياسية والإنسانية التي وردت في كلمات القادة العرب والبيان الختامي للقمة، والذي أدان العدوان الإسرائيلي ورفض تهجير الفلسطينيين، مؤكدًا مركزية القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
كما ثمّنت الحركة الدعوة العربية إلى تفعيل صندوق إعادة إعمار غزة، ورفع الحصار، ورعاية الجرحى والأيتام، داعية إلى ترجمة هذه المواقف إلى خطوات عملية عاجلة، في ظل ما وصفته بـ”الإبادة المستمرة بحق المدنيين”.
تجاهل متعمد للسياق: 7 أكتوبر والانفجار الكارثي
ورغم لهجة التقدير الإيجابية تجاه القمة، تغافلت حماس في خطابها عن التسبب المباشر في الانفجار العسكري والإنساني الذي تعيشه غزة، إثر هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته كتائب القسام داخل المستوطنات الإسرائيلية. ذلك اليوم لم يكن مجرد “عملية مقاومة”، بل تحول إلى نقطة مفصلية جرت على القطاع حربًا شاملة ذات طابع انتقامي دموي غير مسبوق.
الاجتياح الإسرائيلي الذي تلا الهجوم، والدمار الذي طال البنية التحتية والمناطق السكنية، لم يكن من فراغ. لقد جاء كرد قاسٍ على عملية ذات تكلفة إنسانية هائلة، لم تحسب حماس نتائجها الاستراتيجية والإنسانية، فكان المدنيون في القطاع هم من دفعوا الثمن الأكبر.
خطاب مزدوج ومسؤولية سياسية
وفي خضم التدمير المتواصل، تصر حماس على الترويج لخطاب “العدوان الخارجي” و”المظلومية المطلقة”، دون أن تضع في الحسبان أن خياراتها العسكرية قد تسببت في منح إسرائيل الذريعة الكاملة لتوسيع هجماتها، وفرض سياسة الأرض المحروقة، بل والتهجير القسري في بعض المناطق.
وبينما يدين البيان العدوان الإسرائيلي وتهويد الأرض وتجويع السكان، يغيب كليًا أي اعتراف من الحركة بدورها في تعقيد المشهد، وفشلها في حماية المدنيين الذين وضعتهم عمليًا في مرمى النيران، سواء بتخزين السلاح في مناطق مأهولة أو باتخاذ قرارات عسكرية أحادية لم تُجمع عليها القوى الفلسطينية.
دعوات للوحدة… ولكن بشروط “الحركة”
من جهة أخرى، جدّدت حماس دعمها لأي دعوة مسؤولة لتحقيق وحدة وطنية فلسطينية، لكنها ربطت هذا الدعم بـ”مشروع تحرري موحد”، في تلميح إلى الإصرار على نمط المقاومة المسلحة، دون مراجعة التجربة الكارثية التي تمر بها غزة.
إن الدعوة للوحدة تأتي في وقت تفتقد فيه الساحة الفلسطينية لمشروع سياسي جامع، بينما تصر حماس على تقديم نموذج حكمها الأحادي في غزة كبديل، وهو نموذج لم ينجح منذ 2007 في تحقيق لا تنمية، ولا حماية، ولا حتى توازن ردع دائم.
مآلات ما بعد القمة: هل يُترجم الموقف العربي إلى واقع؟
لا شك أن المواقف التي صدرت عن قمة بغداد تعبّر عن حدّ أدنى من التوافق العربي على إدانة العدوان، والتضامن مع غزة إنسانيًا، غير أن التطبيق على الأرض لا يزال غائبًا، ما لم تتحرك الدول فعليًا عبر قنوات ضغط دولية، ومساعدات مباشرة، وضمانات لإعادة الإعمار ووقف المجازر.
أما حماس، فمطالبتها بترجمة هذه المواقف تبقى ناقصة إن لم تقرنها بمراجعة داخلية لمسارها، ومحاسبة ذاتية لأخطائها الاستراتيجية، التي كانت إحدى الشرارات الرئيسية لهذه الكارثة. فالمقاومة لا تُقاس بمدى قدرتها على إرباك العدو فقط، بل كذلك بقدرتها على حماية شعبها، وتفادي تحويله إلى وقود لصراعات مفتوحة لا أفق لها.
خلاصة
البيان الترحيبي لحركة “حماس” قد يبدو منسجمًا مع آلام الشعب الفلسطيني وتطلعاته، إلا أنه لا يمكن فصله عن الواقع الميداني الذي تتحمل الحركة فيه جزءًا أصيلاً من المسؤولية، جنبًا إلى جنب مع الاحتلال الإسرائيلي.
لقد كانت عملية 7 أكتوبر نقطة انطلاق لجحيم لم تنطفئ نيرانه بعد، وكل خطاب سياسي يتجاهل هذا الواقع، هو محاولة لإعادة إنتاج الخطأ بدل الاعتراف به والعمل على تجاوزه.
وفي نهاية المطاف، فإن مأساة غزة لن تُحل بالشعارات، بل بمراجعة نقدية شاملة، واتفاق وطني صادق، وإعادة تعريف للمقاومة في إطار يحمي الإنسان قبل أي شيء آخر.