سلمت حركة “حماس” ردّها الرسمي على المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف. وبينما وصفت الحركة ردها بالإيجابي، فإن تأكيدها على “الحاجة إلى إدخال تعديلات” على المقترح فتح الباب واسعاً أمام التأويلات بشأن طبيعة الموقف الحقيقي: هل هو قبول بشروط؟ أم رفض بصيغة دبلوماسية؟
الرد الذي نُقل إلى الوسطاء—مصر وقطر والولايات المتحدة—جاء بعد مشاورات داخلية و”من منطلق المسؤولية الوطنية”، وفق تعبير الحركة، التي شددت على أن هدفها هو “تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب شامل من قطاع غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية”.
مقترح “ويتكوف”: ملامح الاتفاق المؤقت
وفق تسريبات متقاطعة من الإعلام الإسرائيلي، فإن المقترح المطروح يتضمن وقفًا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، بضمانات أمريكية مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، مع التزام إسرائيلي بوقف أي عمليات عسكرية خلال مدة الاتفاق. وينص المقترح على تبادل للأسرى يشمل إطلاق سراح 10 إسرائيليين أحياء مقابل 125 أسيرًا فلسطينيًا محكومًا بالمؤبد، إلى جانب 1111 معتقلاً من قطاع غزة أُسروا بعد عملية السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى تبادل للجثامين.
كما تقضي الوثيقة بتوزيع المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر، وإعادة انتشار قوات الاحتلال خارج مناطق واسعة من القطاع، تبدأ بالشمال مرورًا بممر “نتساريم” الاستراتيجي، وتنتهي بالجنوب، في مؤشر على أن الانسحاب سيكون تدريجياً ومشروطًا.
إسرائيل: بين التشكيك والمراوغة
الرد الحمساوي فُسر داخل الأوساط الإسرائيلية بتناقض ملحوظ. فبينما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت، نقلاً عن مصادر رسمية، إن “رد حماس يعني رفضًا فعليًا للمقترح”، أشارت صحيفة يسرائيل هيوم إلى أن “حماس لم تقل نعم، لكنها لم ترفض أيضاً”. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن الحركة “وضعت شروطًا جديدة ومختلفة”، دون الإفصاح عن ماهيتها، وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات سياسية قد تُستخدم لإفشال المبادرة أو تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية التعطيل.
في المقابل، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الإسرائيلية، رغم ما نقلته القناة 12 عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغ عائلات الأسرى بموافقة تل أبيب على المقترح الأمريكي، لكنه “يشك في موافقة حماس”، في موقف يعكس حالة من التردد أو ربما المناورة السياسية، في ظل ضغط داخلي متزايد من عائلات الأسرى والمعارضة الإسرائيلية.
حرب المصالح: حماس تشترط وضوح الهدف ونتنياهو يناور
تؤكد حماس في بياناتها المتكررة أنها مستعدة لإتمام صفقة تبادل شاملة تنهي معاناة الأسرى من الجانبين، شريطة أن تترافق مع وقف كامل للحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين. إلا أن حكومة نتنياهو، المطالبة دوليًا بتهم تتعلق بجرائم حرب، تواصل الدفع نحو صفقات مجتزأة، وتربط أي اتفاق بشروط تعجيزية، أبرزها نزع سلاح المقاومة وإعادة احتلال غزة تحت ذريعة “إعادة الإعمار”.
وتواجه حكومة نتنياهو انتقادات داخلية متزايدة، حيث تتهمه المعارضة وبعض عائلات الأسرى بمواصلة الحرب لخدمة أجندته السياسية، وعلى رأسها البقاء في السلطة عبر إرضاء الجناح الأكثر تطرفًا داخل ائتلافه الحاكم، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهو ما يعيق أي تقدم في مسار التهدئة.
معادلة الدم والمناورة: مأساة غزة تتواصل
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت وابل من الهجمات الإسرائيلية التي خلفت، بحسب مصادر فلسطينية، أكثر من 178 ألف ضحية بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، في ظل حصار خانق ونزوح جماعي لمئات آلاف المدنيين. ومع تفاقم الأوضاع، يتضح أن أي مبادرة لا تتضمن وقفاً شاملاً للحرب وضمانات حقيقية لإعادة إعمار القطاع ورفع الحصار، ستبقى مهددة بالتعثر أو التجميد.
ورغم التفاؤل الحذر الذي عبّر عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بقوله إن “الاتفاق قريب جدًا”، فإن الواقع الميداني والسياسي لا يزال معقدًا، وسط غياب ردود واضحة من الدول الراعية للمفاوضات، واستمرار الغموض بشأن مدى استعداد إسرائيل للالتزام بجوهر المقترح الأمريكي، لا شكله فقط.
سيناريوهات مفتوحة ومبادرة على المحك
في ظل تمسك حماس بمطالبها الأساسية، واستمرار المناورة الإسرائيلية، تبدو مبادرة ويتكوف معلقة بين القبول المشروط والرفض الضمني. وإذا لم تفضِ الوساطات الراهنة إلى تفاهمات تضمن للطرفين تحقيق الحد الأدنى من المكاسب، فإن جولة جديدة من التصعيد قد تكون أقرب من أي اتفاق.
الكرة اليوم في ملعب الوسطاء الدوليين، الذين عليهم ممارسة ضغط فعلي على تل أبيب لتقديم تنازلات حقيقية، وضمان تطبيق أي اتفاق بحسن نية، لا استخدامه كاستراحة مؤقتة قبل العودة إلى آلة الحرب.