رغم المشهد الكارثي الذي يعيشه قطاع غزة من دمار شامل، وتشريد لمئات الآلاف، وانهيار شبه تام للبنى التحتية، تواصل حركة “حماس” تمسّكها بالحكم والسيطرة على القطاع، في موقف يبدو متعارضًا بشكل صارخ مع حجم المأساة التي تعيشها غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر. هذا الإصرار على البقاء في الحكم، رغم كل شيء، يطرح أسئلة جوهرية حول أولويات الحركة، ومدى مراعاتها للمصلحة الوطنية الفلسطينية في ظل كارثة إنسانية بهذا الحجم.
مساومة سياسية
الملفت في الأمر هو أن حركة حماس، بدلًا من الاستجابة للنداءات المتكررة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بضرورة تسهيل إدخال المساعدات، باتت تتعامل مع هذه المساعدات كورقة ضغط سياسي في مفاوضاتها مع إسرائيل. وكأنها تحاول تحويل مآسي الناس إلى أوراق مساومة سياسية، تُستخدم للحصول على شروط تفاوضية أفضل أو مكاسب على مستوى القيادة والبقاء.
ما يزيد من خطورة الموقف، هو تناقض التصريحات الصادرة من داخل الحركة. ففي الوقت الذي نقلت فيه شبكة CNN عن مسؤول في حماس موافقته على اتفاق يشمل إطلاق رهائن مقابل هدنة وتبادل أسرى، خرج القيادي سامي أبو زهري لينفي ذلك بشكل قاطع، متهمًا إسرائيل بنشر “أخبار مزيفة” لتشويش الرأي العام والضغط على المقاومة. هذا التخبط يعكس حالة من الانقسام أو على الأقل غياب الانسجام داخل القيادة السياسية للحركة، ويضعف موقفها التفاوضي ويثير شكوكًا حول نواياها الحقيقية.
المكابرة السياسية
التمسك بالحكم في غزة وسط هذا الدمار، يبدو وكأنه أولوية تفوق أي اعتبار إنساني أو وطني. ومع اشتراط إسرائيل نزع سلاح الحركة واستسلامها كجزء من أي اتفاق نهائي، يبدو أن حماس تقف على مفترق طرق حاسم: إما أن تختار إنقاذ ما تبقى من غزة والتنازل عن الحكم ضمن صفقة تنقذ أرواح الأبرياء، أو تستمر في طريق المكابرة السياسية التي تجرّ على غزة المزيد من الدمار والمآسي.
المشكلة ليست فقط في تمسّك حماس بالحكم، بل في استغلالها للموقف الدولي والضغوط الأوروبية كوسيلة لإعادة تدوير نفسها كفاعل سياسي شرعي، دون أن تُقدّم أي التزامات حقيقية بإعادة الإعمار، أو إصلاح ما دمرته الحرب، أو حتى توفير الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة لملايين الفلسطينيين العالقين تحت الحصار.
تساؤلات خطيرة
استمرار حماس في هذا النهج يطرح تساؤلات خطيرة حول من يدفع الثمن: هل هي قيادة الحركة؟ أم المواطن الفلسطيني الذي يعيش كل يوم تحت وطأة القصف والجوع والحرمان؟ وما الذي سيبقى من غزة إن استمر هذا العناد؟