سياسة حركة “حماس” في التعامل مع من تصفهم بالـ”متخابرين مع إسرائيل” تُمثل أحد أكثر الملفات المثيرة للجدل، خصوصًا في ظل اتهامات متكررة بانتهاك حقوق الإنسان وغياب الشفافية في آليات المحاكمة وتنفيذ الأحكام، والتي غالبًا ما تنتهي بالإعدام. هذه السياسة التي اعتمدت عليها الحركة منذ سنوات، تقوم على ملاحقة عناصر يُشتبه في تعاونهم مع إسرائيل، في تعاون وثيق مع أجهزة أمنية تابعة للفصائل الفلسطينية الأخرى، ويتم تقديمهم إلى محاكم عسكرية تُصدر أحكامها بسرية وسرعة، دون توفير ضمانات قانونية كافية للمحاكمة العادلة.
عمليات إعدام علنية
في العديد من الحالات، وخاصة خلال الحروب أو التصعيدات العسكرية، نفّذت “حماس” عمليات إعدام علنية أو ميدانية بحق هؤلاء المتهمين، بعضها تم تصويره وبثه، وهو ما فجّر موجة غضب وانتقاد واسع من قبل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي، إذ بدا وكأن هذه الإعدامات جزء من رسائل دعائية وليس إجراءً قانونيًا صرفًا. في المقابل، كانت “حماس” أحيانًا تُخفف من حدة هذه السياسة، استجابة لضغوطات خارجية تهدف لتحسين صورتها أمام العالم، خاصة في محاولاتها لكسب اعتراف سياسي أو دعم إنساني.
المفارقة الكبرى تكمن في حقيقة أن إسرائيل، رغم امتلاكها لأجهزة استخباراتية متطورة وأساليب تجنيد متعددة (منها المال، الجنس، أو تصاريح العمل)، لم تتمكن لسنوات من اختراق البنية العسكرية لـ”حماس” بالقدر الذي يُمكّنها من منع أو كشف تحركاتها الاستراتيجية. مثال ذلك الفشل في التنبؤ أو إحباط هجوم السابع من أكتوبر 2023.
. حماس تواصل التشبث بالسلطة
لكن هذه السياسة تُثير مخاوف جدّية على عدة مستويات. أولًا، من حيث عدالة المحاكمات؛ حيث يتم غالبًا الاعتماد على الاعترافات تحت الضغط أو في ظروف تحقيق غير شفافة، ما يعني احتمالية كبيرة لوقوع مظالم وإعدام أبرياء. وثانيًا، من حيث الاستغلال السياسي؛ فقد تستخدم الحركة هذه الإعدامات أداة للردع والسيطرة الداخلية، وإرسال رسائل تحذيرية في فترات الاضطراب، أكثر من كونها إجراءات قانونية قائمة على براهين دامغة.
الأخطر من كل ذلك هو الإصرار المستمر من “حماس” على حكم قطاع غزة، رغم الكارثة الإنسانية والدمار الهائل الذي حل بالمنطقة جرّاء الحرب، وغياب أي أفق سياسي للحل. هذا الإصرار يعكس تعنّتًا قد يبدو بطوليًا في نظر مناصريها، لكنه في الواقع يُفاقم من عزلة غزة، ويمنع أي إمكان لفتح نافذة نحو إعادة الإعمار أو الحل السياسي. “حماس” تواصل التشبث بالسلطة، وتستخدم قوتها الأمنية كوسيلة للبقاء، في حين لا تملك الإمكانات الحقيقية لضمان العدالة، أو حتى التعافي الاقتصادي والاجتماعي لمجتمع مُنهك ومحاصر.
غياب الرقابة القانونية
في هذا السياق، يمكن القول إن السياسة العقابية القائمة على الإعدام، وسط غياب للرقابة القانونية، تُهدد ليس فقط حياة الأفراد، بل تُقوّض أيضاً أي فرصة لبناء مجتمع تسوده العدالة أو المحاسبة. ومن المؤلم التفكير بأن أرواحًا قد تُزهق ظلمًا نتيجة لمعلومات خاطئة أو وشايات شخصية، في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة.
السؤال المؤلم الذي يظل مطروحًا هو: هل يمكن لحركة تعتمد هذا النمط من إدارة الحكم أن تكون قادرة فعلًا على قيادة مشروع وطني جامع في المستقبل؟