تضمن البيان الأخير الصادر عن حركة حماس، الإعلان عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر كـ«مبادرة إيجابية» تهدف إلى التخفيف عن سكان غزة، يتجلى بوضوح أن الحركة تسعى إلى توظيف هذا التطور الإنساني في إطار صفقة أوسع ذات أبعاد سياسية وميدانية تتجاوز البعد الإنساني المعلن.
صياغة واقع سياسي جديد
الحديث عن تفاهمات مع الولايات المتحدة، وتوقعات ببدء دخول فوري للمساعدات الإنسانية، مع الإشارة إلى وقف إطلاق نار دائم ومفاوضات شاملة، يحمل في طياته محاولة لصياغة واقع سياسي جديد تفرض فيه حماس شروطها أو على الأقل تسعى إلى الاستفادة القصوى من اللحظة السياسية القائمة. غير أن ما يبدو على السطح كمبادرة إنسانية، ينطوي في العمق على محاولة لتوجيه المساعدات القادمة إلى قنوات تسيطر عليها الحركة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول نوايا حماس الحقيقية.
تاريخ الحركة في إدارة المساعدات والإمدادات داخل القطاع يشير إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الموارد يتم توجيهه بالدرجة الأولى لتعزيز قدراتها التنظيمية والعسكرية، بدءاً من توزيع الوقود والمواد الغذائية على عناصرها وعائلاتهم، وصولاً إلى حجز مخازن ضخمة من المواد التي قد لا تصل إلى السكان الأشد حاجة إلا عبر قنوات الولاء أو الوساطات التنظيمية.
تكتيك المعادلة الصفرية
في هذا السياق، تبدو «المبادرة الإيجابية» التي تتحدث عنها حماس مرتبطة أساساً بجهد يهدف إلى إعادة ضخ الموارد نحو الداخل التنظيمي، وليس نحو قاعدة السكان المدنيين المتضررين الذين ما زالوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وشح المياه، وانهيار الخدمات الصحية.
ويبدو أن الحركة تحاول توظيف ورقة الإفراج عن أسير يحمل الجنسية الأمريكية والإسرائيلية كخطوة دعائية ذات طابع إنساني، بهدف تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي وخلق ممر تفاوضي تفرض فيه شروطها غير المعلنة. إلا أن التهديد المبطن الوارد في البيان، والذي يحذر من أن عدم إدخال المساعدات «سيلقي بظلال سلبية» على جهود تبادل الأسرى، يعكس أن الحركة لا تزال تستخدم التكتيك القائم على المعادلة الصفرية: إما الاستجابة لمطالبها، أو تعطيل مسارات إنسانية مهمة، بما في ذلك ملف الأسرى.
ابتزاز إنساني
الرسالة الضمنية التي تبثها حماس من خلال هذا البيان تفيد بأن أولويتها ليست بالضرورة إنقاذ السكان أو التخفيف من معاناتهم، بل ضمان تدفق الدعم الذي يمكن استثماره تنظيمياً وعسكرياً، حتى وإن كان ذلك على حساب الاحتياجات الإنسانية الملحة لسكان القطاع.
في المحصلة، فإن محاولة حماس لربط إطلاق سراح الأسير الأمريكي بالدخول الفوري للمساعدات لا تعدو كونها محاولة لابتزاز إنساني تحت غطاء مبادرة «إيجابية»، قد تسهم فعلياً في إطالة أمد المعاناة إذا ما بقيت المساعدات رهينة بيد طرف يستخدمها لتحقيق مكاسب سياسية وتنظيمية على حساب معاناة المدنيين.