في تطور سياسي لافت يعكس تحولًا في استراتيجية حركة حماس، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة، اليوم الاثنين، عن فحوى رسائل بعثت بها الحركة عبر الوسيط القطري إلى مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وذلك على خلفية المفاوضات المتعثرة بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
هذه الرسائل، التي ينقلها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال لقاء مرتقب مع ويتكوف، تتضمن استعدادًا مبدئيًا من حماس للتنازل عن السلطة في غزة، في إطار تصور جديد لمرحلة ما بعد الحرب، ما يُعدّ تحولًا نوعيًا في موقف الحركة، التي تدير القطاع منذ عام 2007 بعد صدامات دموية مع حركة فتح.
المصادر أوضحت أن قطر، التي تلعب دور الوسيط المحوري في محادثات التهدئة إلى جانب مصر والولايات المتحدة، تلقت من حماس وثيقة سياسية تتضمن رؤية الحركة لما تسميه “اليوم التالي لوقف الحرب”. أهم ما في هذه الرؤية هو إعلان الاستعداد للتنحي عن إدارة قطاع غزة، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي الحرب، ويؤسس لهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، ضمن ترتيبات تضمن “حفظ كرامة الشعب الفلسطيني” – حسب ما جاء في الصيغة التي نقلتها المصادر.
الرسائل لم تكتفِ بإعلان الاستعداد للتنحي، بل ذهبت إلى ما هو أبعد، إذ أبدت حماس مرونة بشأن ملف الأسرى، وهو أحد أعقد الملفات في أي مفاوضات مع إسرائيل. فقد أعربت الحركة عن استعدادها لتسليم جميع الأسرى الإسرائيليين لديها، شرط أن يكون ذلك ضمن صفقة شاملة تفضي إلى وقف الحرب بشكل نهائي، وليس مجرد هدنة مؤقتة قابلة للانهيار.
هذا الطرح يأتي في وقت تعثرت فيه المفاوضات الأخيرة، حيث عبّر كبير المفاوضين القطريين عن إحباطه من المسار الحالي، محملًا جميع الأطراف مسؤولية التباطؤ والجمود. كما أن المواقف الإسرائيلية ما زالت ترفض تقديم أي ضمانات لحماس بشأن المستقبل السياسي لغزة، وتصرّ على إنهاء وجودها العسكري والسياسي في القطاع دون شروط.
التوقيت السياسي للرسائل مثير للانتباه أيضًا. فاستهداف ويتكوف، المعروف بقربه من تيار ترامب الجمهوري، قد يعكس رهان حماس على إمكانية إعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة، في حال فاز ترامب مجددًا في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت نفسه، فإن دخول قطر على خط الرسائل يتيح لها الحفاظ على دورها كلاعب إقليمي يُمسك بخيوط التواصل بين الأطراف المتحاربة.
حتى الآن، لا يوجد رد رسمي من ويتكوف أو الجانب الأميركي على هذه المبادرة، كما لم تصدر حماس بيانًا علنيًا يؤكد أو ينفي صحة هذه المعلومات. غير أن الحديث عن “هدنة طويلة” و”تنازل عن الحكم” يمثل، وفق محللين، اختراقًا دبلوماسيًا لو تم توظيفه بشكل ذكي في سياق مفاوضات أكثر شمولًا، ربما تتجاوز مجرد وقف النار إلى إعادة صياغة شكل السلطة الفلسطينية في غزة.
وفي غياب أي مؤشر على قرب التوصل لاتفاق، يبقى السؤال مفتوحًا: هل هي بداية تحول استراتيجي لدى حماس تحت وطأة الضغط العسكري والمعيشي؟ أم مناورة سياسية تهدف إلى كسب الوقت وإعادة التموضع في مشهد إقليمي متغير؟