تعيش مفاوضات التهدئة في قطاع غزة مرحلة بالغة الحساسية، وسط ضغوط داخلية وخارجية متصاعدة على حكومة بنيامين نتنياهو، ومساعٍ متجددة من الوسطاء الدوليين لإحياء مسار وقف إطلاق النار. وبينما تؤكد عدة أطراف قرب التوصل إلى اتفاق هدنة، يبدو الواقع أكثر تعقيدًا، في ظل المناورات السياسية من الجانب الإسرائيلي، والتحفظ الواضح من حركة “حماس”، والازدواجية في الموقف الأميركي.
الرهائن ورقة سياسية
التحركات الجارية حالياً تنطلق من مقترح يعرف بـ”مخطط ويتكوف”، والذي ينص على هدنة لمدة 60 يوماً، تشمل الإفراج عن 28 رهينة إسرائيلياً مقابل أكثر من 1200 أسير فلسطيني، مع إدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع. ورغم حديث الإعلام الإسرائيلي عن مرونة أبدتها “حماس”، إلا أن الحركة، على لسان قيادييها، تنفي وجود أي تقدم ملموس حتى الآن، معتبرة أن ما يروّجه نتنياهو لا يعدو كونه محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والخارجي المتزايد عليه.
في هذا السياق، تشير تحليلات عديدة إلى أن نتنياهو يستخدم ملف الرهائن كورقة سياسية لتقوية موقفه داخلياً، لا سيما في ظل الأزمة السياسية العميقة التي تهدد حكومته. وقد جاء توقيت حديثه عن “تقدم ملحوظ” في المحادثات حول الرهائن متزامناً مع جلسة الكنيست لمناقشة اقتراح حل البرلمان، ما يعزز فرضية توظيفه لهذا الملف لصرف الأنظار عن الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم والتهديدات المتزايدة من حلفائه المتشددين.
المفاوضات تمر بمرحلة دقيقة
الضغوط الخارجية بدورها بدأت تزداد وتيرتها، كما ظهر في العقوبات التي فرضتها بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف، بسبب دورهما في التحريض على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد أثار هذا الموقف الدولي انتقادات أميركية واضحة، إذ اعتبرت واشنطن أن هذه العقوبات لا تساهم في تعزيز فرص الوصول إلى هدنة، بل تصب في مصلحة “حماس” وفق رؤيتها، وهو ما يعكس استمرار انحيازها لإسرائيل، رغم التصريحات الرسمية المتكررة حول السعي لإنهاء الحرب.
في المقابل، تبذل مصر وقطر جهودًا حثيثة لدفع الطرفين نحو اتفاق، حيث أكد الجانب المصري التزامه بضمان وقف إطلاق نار دائم، بينما أشار بيان صادر عن مكتب الإعلام الدولي في قطر إلى أن المفاوضات تمر بمرحلة دقيقة قد تفضي إلى “تقدم حقيقي”. هذه المؤشرات تُظهر أن الوسطاء الإقليميين لا يزالون يؤمنون بإمكانية التوصل إلى حل، رغم حالة الجمود الحالية.
الموقف الأميركي يظل محورياً في هذه المعادلة. وبينما أبلغ الرئيس الأميركي ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي برغبته في رؤية نهاية للحرب، فإن السياسات الأميركية حتى الآن لا تعكس تحركًا حاسمًا يمكنه فرض تغيير جوهري في مواقف إسرائيل. ويرى مراقبون، من بينهم الدكتور أيمن الرقب، أن غياب الجدية من الجانب الأميركي، وتضارب الرسائل بين البيت الأبيض والناطقين باسم الخارجية، يضعف أي أمل في حدوث اختراق وشيك.
مسار التهدئة في غزة رهينة للعبة سياسية
كذلك، فإن حركة “حماس” تتعامل بحذر شديد مع أي مقترحات، بعد تجارب سابقة وصفتها بالخداع أو التوظيف السياسي من قبل إسرائيل. وتُصرّ الحركة على الحصول على ضمانات دولية حقيقية تضمن إنهاء الحرب وليس مجرد هدنة مؤقتة تستغلها إسرائيل لإعادة ترتيب أوراقها عسكرياً.
في ضوء كل هذه المعطيات، يمكن القول إن فرص الوصول إلى هدنة مؤقتة موجودة لكنها محفوفة بالتحديات. الطرفان يستخدمان الوقت والمفاوضات في إطار حسابات استراتيجية أوسع، والحل لن يكون إلا بتدخل دولي حاسم يضمن جدية الالتزام، خصوصاً من جانب الحكومة الإسرائيلية. وحتى يتحقق ذلك، سيظل مسار التهدئة في غزة رهينة للعبة سياسية معقدة، تحكمها التوازنات الداخلية في إسرائيل، ومواقف واشنطن المتذبذبة، واستراتيجية النفس الطويل التي تعتمدها “حماس”.