بينما تتوالى أنباء الاشتباكات والتفجيرات في قطاع غزة، وتعلن فصائل المقاومة الفلسطينية عن تكبيد جيش الاحتلال خسائر في الأرواح والعتاد، تتصاعد التساؤلات حول طبيعة هذه “الانتصارات” ومن يدفع ثمنها الحقيقي. في ظل البيانات التي تصدر عن سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حول تفجير آليات إسرائيلية جنوب خان يونس، أو حديث قوات “الشهيد عمر القاسم” عن الاستيلاء على مواد متفجرة، يبرز تساؤل جوهري حول جدوى هذه العمليات في سياق الصراع الأوسع. فهل يمكن اعتبار هذه المواجهات التكتيكية انتصارات حقيقية بينما تستمر تداعياتها الكارثية على حياة المدنيين الفلسطينيين؟
نمط الرد الإسرائيلي
إن الإصرار على استمرارية هذه العمليات، في ظل إدراك كامل لردود الفعل الانتقامية المتوقعة من جيش الاحتلال، يضع المدنيين في غزة بين فكي رحى. فبينما يتم الاحتفاء بتدمير آلية أو إصابة جندي، يجد سكان القطاع أنفسهم يدفعون الثمن الأكبر في شكل أرواح تُزهق، ومنازل تُدمر، وبنية تحتية تُسحق.
إن نمط الرد الإسرائيلي على مثل هذه العمليات بات واضحًا ومُتوقعًا: تصعيد عسكري يستهدف بشكل مباشر أو غير مباشر المناطق المدنية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية ويعمق معاناة الشعب الفلسطيني.
استراتيجية حماس
تكمن نقطة الجدل هنا في إصرار حركة حماس، القوة المسيطرة على القطاع، على استمرارية نهج المقاومة المسلحة، والذي يبدو أنه يخدم بالدرجة الأولى ترسيخ سلطتها وحكمها على غزة، أكثر مما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني على المدى الطويل. ففي الوقت الذي تعاني فيه غزة من حصار خانق وأوضاع معيشية متردية، فإن استمرار هذا النمط من العمليات يدفع الاحتلال إلى تشديد قبضته ويزيد من تدمير مقومات الحياة في القطاع.
إن الربط بين “الانتصار” العسكري المحدود، الذي تعلن عنه فصائل المقاومة، وبين الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون يطرح تساؤلات جدية حول الاستراتيجية المتبعة. فهل يمكن لحركة تسعى لحكم قطاع مزدحم أن تواصل سياسات تؤدي إلى دمار شامل بحجة المقاومة، بينما تدرك تمامًا أن الشعب هو من سيتحمل عواقب هذه السياسات؟ إن البحث عن مسار بديل يحفظ حياة المدنيين ويصون حقوقهم الأساسية، بدلاً من التضحية بهم على مذبح صراعات لا يبدو أنها تحقق انتصارات مستدامة، أصبح ضرورة ملحة.