مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها العشرين، يستمر النزف في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، رغم ادعاءات التقدم الميداني والتفوق العسكري. الإعلان، الأحد، عن مقتل الجندي نوعام شيمش (21 عاماً) في جنوب القطاع، يرفع حصيلة القتلى العسكريين منذ بدء العمليات البرية في 27 أكتوبر 2023 إلى 430 جندياً، ما يعكس حجم الكلفة البشرية المتزايدة التي باتت تؤثر بوضوح على المزاج العام داخل إسرائيل، وتدفع بموجات من الأسئلة الصعبة تجاه جدوى الحرب وطبيعة أهدافها النهائية.
غضب شعبي في إسرائيل
العدد المتزايد للقتلى في صفوف الجيش لا يقتصر تأثيره على البنية العسكرية أو خطط العمليات، بل يمتد ليهزّ ثقة الجمهور الإسرائيلي في السردية التي تروّجها الحكومة حول “السيطرة الكاملة” على مجريات الحرب. ومع كل إعلان عن سقوط جندي جديد، تعود إلى الواجهة حالة الغضب الشعبي والقلق المتنامي في أوساط العائلات الإسرائيلية، التي باتت ترى في استمرار القتال استنزافاً غير مبرر، في ظل غياب رؤية سياسية أو نهاية واضحة للعملية العسكرية.
المجتمع الإسرائيلي، بطبيعته الحساسة لفقدان الأرواح في الحروب، بدأ يعبر عن نفاد صبره بأشكال مختلفة. التظاهرات المتكررة لأسر الجنود والمحتجزين، والمطالبات بوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل، أصبحت جزءاً من المشهد اليومي في تل أبيب والقدس، ما يعكس انقساماً داخلياً آخذًا في الاتساع بين القيادة السياسية التي تصرّ على “الحسم” وبين قطاعات واسعة من الجمهور التي ترى أن كلفة هذا الحسم باتت أعلى من أن تُحتمل.
هزيمة سياسية وعسكرية
في هذا السياق، فإن تكرار الخسائر، خاصة في صفوف الجنود الشباب، مثل شيمش، الذين غالباً ما يأتون من طبقات اجتماعية متوسطة أو فقيرة، يفاقم الإحساس العام بالتضحية غير العادلة، ويعزز الأصوات التي تنتقد أداء الحكومة والقيادة العسكرية، خصوصاً في ظل الحديث عن إخفاقات استخبارية وتكتيكية في بعض المعارك، وعدم تحقيق الأهداف المعلنة مثل “تدمير حماس” أو “استعادة الردع”.
من جهة أخرى، تعاني القيادة الإسرائيلية من مأزق مركب: فاستمرار العمليات يزيد من الخسائر ويؤجج الرأي العام، بينما الانسحاب دون “إنجاز ملموس” سيُعتبر هزيمة سياسية وعسكرية. هذا التناقض يضع المؤسسة الحاكمة في موقف دفاعي داخلي، ويُدخل الحرب في دائرة عبثية، حيث تتكرر ذات النتائج دون تغيير حقيقي في الميدان أو في مسار المفاوضات.
عبئ نفسي وسياسي على الداخل الإسرائيلي
ولا يُستبعد أن تتحول هذه الخسائر، إذا استمرت على الوتيرة ذاتها، إلى عامل ضغط قوي على الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه بالفعل أزمة ثقة وتحديات سياسية داخلية متصاعدة. فالجيش، الذي طالما كان أحد أعمدة الثقة الوطنية، بات اليوم في موضع تساؤل، نتيجة الفجوة بين ما يُعلن من نجاحات وما يُكشف من خسائر.
يمكن القول إن قتلى الجيش الإسرائيلي في غزة باتوا يشكلون عبئاً نفسياً وسياسياً على الداخل الإسرائيلي، وربما يكونون أحد العوامل الحاسمة التي ستدفع عاجلاً أو آجلاً نحو مراجعة شاملة لاستراتيجية الحرب، وربما إعادة تقييم جدواها كلها، في ظل معادلة باتت تتسم بالاستنزاف أكثر من الإنجاز.