عقدت القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية جلسة مشحونة ليلة الخميس – الجمعة، لمناقشة السيناريوهات المحتملة في حال فشل المفاوضات مع حركة حماس، وفق ما أوردته القناة 12 الإسرائيلية. الاجتماع، الذي عُقد في أجواء متوترة، كشف عن خلافات جوهرية داخل دائرة صنع القرار الإسرائيلي بشأن المرحلة المقبلة من الحرب على غزة، خاصة ما يتعلق بمصير سكان القطاع وإمكانية إعادة فرض السيطرة المباشرة عليه.
اقتراب “نهاية المرحلة”… لكن ماذا بعد؟
الجلسة جاءت بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنه “اقترب من تحقيق أهداف عملية عربات جدعون”، وهي العملية التي تشكل الإطار العسكري الأوسع للحرب المستمرة في غزة. وأفادت المصادر أن الجيش بصدد عرض “عدة إمكانيات وخطط” على الحكومة، من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية، التي من المفترض أن تحقق هدفين رئيسيين: استعادة المختطفين، وإنهاء وجود حركة حماس في غزة.
لكن ما بدا أنه انتقال منطقي في التسلسل العسكري، تحوّل إلى نقاش سياسي محتدم بين المسؤولين، كشف عن تباينات عميقة في التصورات حول الكلفة السياسية والإنسانية والمجتمعية لأي خطة محتملة.
سجالات حادة… ومواجهة غير معتادة
وفق ما نقلته القناة 12، شهدت الجلسة سجالًا نادرًا بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش، إيال زامير، إضافة إلى خلافات مع وزيري “الصهيونية الدينية” إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. واتهم الوزيران رئيس الأركان بعدم تنفيذ تعليمات المستوى السياسي، الأمر الذي ردّ عليه زامير بحدة قائلاً: “لا مجال للتسويف في غزة… انتبها لكلامكما، هناك جنود يُقتلون في المعارك”.
السجال تصاعد حين رفع نتنياهو صوته مطالبًا بإعداد خطة إخلاء شاملة لسكان غزة نحو جنوب القطاع، مشددًا: “لن أتنازل. حماس لن تبقى تحت أي ظرف في غزة”. وهو ما قابله زامير بتحذير صريح من مخاطر فقدان السيطرة الميدانية، متسائلًا: “هل تريدون حكمًا عسكريًا؟ من سيحكم مليوني شخص؟”.
بين السيطرة والإخلاء: خياران كلاهما مكلف
خطة نتنياهو لإخلاء سكان غزة جنوبًا وفرض “نموذج ما بعد حماس”، تطرح معضلة سياسية وإنسانية بالغة التعقيد. فبينما يرى رئيس الحكومة أن هذا الإجراء يُمكّن من القضاء على حماس دون الاضطرار لإدارة حياة المدنيين في الشمال، يرفض زامير المقاربة بالكامل، محذرًا من أن مثل هذه السياسة قد تُفضي إلى انفجار شعبي في وجه الجيش الإسرائيلي، وربما تتحول إلى عبء أمني مستدام.
وفي رده على طروحات نتنياهو، قال رئيس الأركان: “يجب أن نتحدث حول ذلك، لم نتفق عليه. السيطرة على أشخاص مجوعين وغاضبين من شأنه أن يؤدي إلى فقدان السيطرة، وربما مهاجمة قواتنا”. كما أشار إلى التبعات البعيدة على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، منبّهًا إلى أن تنفيذ الخطة سيتطلب حشدًا غير مسبوق للقوات النظامية والاحتياط، ما قد يُنهك المنظومة الأمنية على المدى المتوسط.
أزمة رؤية داخل المؤسسة الإسرائيلية
التباين بين المستويين السياسي والعسكري يعكس عدم وجود استراتيجية متماسكة بشأن “اليوم التالي” في غزة. وبينما يدفع الجناح اليميني في الحكومة نحو حسم عسكري شامل يفضي إلى سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد، تُبدي المؤسسة العسكرية – على ما يبدو – حذرًا متزايدًا إزاء الدخول في نموذج احتلال مفتوح أو إدارة مباشرة لسكان غاضبين ومنهكين من الحرب.
وحتى الآن، لم يصدر رد رسمي من حركة حماس على المقترح الأميركي، في حين تُبقي إسرائيل خياراتها مفتوحة بين الضغط السياسي والتصعيد العسكري. إلا أن الجدل المتصاعد في قمة الهرم الإسرائيلي قد يُضعف قدرة الحكومة على اتخاذ قرار موحد في لحظة فارقة من الحرب.