تُعدّ قضية التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية من أخطر القضايا التي تواجه القضية الفلسطينية برمّتها، إذ يُشكل الاستيطان انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وقرارات الشرعية الأممية، وتهديدًا مباشرًا لفرص تحقيق السلام القائم على حل الدولتين. فالتوسع الاستيطاني لا يعني فقط الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، بل يتعدى ذلك ليطال تهجير السكان الأصليين، وتقويض التواصل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية، مما يجعل من إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمرًا شبه مستحيل.
تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، عبر بناء المستوطنات وتوسيعها بشكل ممنهج، إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض، حيث تنهب الأراضي الزراعية، وتحيط القرى الفلسطينية بجدران إسمنتية وحواجز عسكرية تعزل السكان عن مصادر رزقهم وعن بعضهم البعض. كذلك يُرافق التوسع الاستيطاني سياسة تهويد القدس، التي تهدف إلى تغيير طابعها الديمغرافي والثقافي والتاريخي. في كل خطوة استيطانية، يجري تقليص الحلم الفلسطيني بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ويتم انتهاك حقوق الإنسان اليومية للفلسطينيين، من مصادرة للأراضي إلى منع البناء والتوسع العمراني وقطع الطرق ومنع حرية الحركة.
تفعيل القرارات الدولية
أمام هذا العدوان المستمر، تبذل السلطة الوطنية الفلسطينية جهودًا مضنية لمواجهة المخططات الاستيطانية، عبر العمل على أكثر من صعيد. فمن الناحية الدبلوماسية، كثّفت القيادة الفلسطينية تحركاتها في المحافل الدولية، وطرحت قضية الاستيطان أمام مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبة بتفعيل القرارات الدولية التي تعتبر الاستيطان غير شرعي، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر عام 2016، الذي يطالب بوقف فوري لكافة الأنشطة الاستيطانية.
كما عملت السلطة الفلسطينية على تحريك الملفات القضائية، لاسيما في محكمة الجنايات الدولية، حيث قُدمت ملفات توثق جرائم الاستيطان بوصفها جريمة حرب بموجب ميثاق روما الأساسي. ويُعتبر هذا المسار القضائي من أهم الوسائل التي تحاول السلطة من خلالها محاسبة الاحتلال على انتهاكاته القانونية والإنسانية.
إلى جانب المسارات القانونية والدبلوماسية، اتبعت السلطة الفلسطينية استراتيجية دعم صمود المواطنين على الأرض. فقد قدمت مساعدات لتعزيز المشاريع الزراعية، ودعمت مبادرات الإسكان في المناطق المهددة بالاستيطان، وشجعت النشاطات الشعبية والمقاومة السلمية التي تواجه الجرافات والمستوطنين على الأرض مباشرة. وخصصت ميزانيات لتمويل صمود القرى الفلسطينية، خصوصًا في مناطق الخطر المصنفة (ج)، مثل الخليل والأغوار والقدس الشرقية.
تثبيت الرواية الفلسطينية
رغم محدودية الموارد وصعوبة المعركة السياسية على الساحة الدولية، فإن الجهود الفلسطينية تظل متواصلة، مدفوعة بإصرار الشعب الفلسطيني وحقه الأصيل في أرضه. فالسلطة الفلسطينية تسعى من خلال هذه الجهود إلى تثبيت الرواية الفلسطينية، وحماية ما تبقى من الأرض، ومنع محاولات طمس الهوية الوطنية.
لقد بات التوسع الاستيطاني خطرًا وجوديًا يهدد ليس فقط الجغرافيا الفلسطينية، بل فكرة الحل السياسي العادل برمّته. ومن هنا، تبرز أهمية استمرار النضال الفلسطيني بمختلف أشكاله، شعبًا وقيادةً، لإبقاء القضية حيّة أمام العالم، ولإثبات أن الحقوق لا تسقط مهما طال الزمن، وأن العدوان مهما اشتدّ، لا يستطيع أن يقتلع شعبًا آمن بعدالة قضيته.