في تصريحات أثارت عاصفة من الجدل، كشف السفير الأميركي السابق لدى دمشق، روبرت فورد، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بدور أميركي غير مباشر في “تأهيل” الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، الذي كان يقود تنظيم “هيئة تحرير الشام” تحت اسم “أبو محمد الجولاني”.
هذه التصريحات فتحت الباب أمام تساؤلات عديدة حول طبيعة زيارات فورد المتكررة إلى سوريا منذ عام 2023، وأهدافها الحقيقية، ودور المنظمات الغربية في إعادة صياغة الخارطة السياسية السورية.
فورد يتحدث: من الإرهاب إلى الرئاسة
في مقابلات إعلامية مثيرة، قال فورد إن مشاركته جاءت ضمن فريق أوروبي اختارته منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات، بهدف “نقل الجولاني من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة”، موضحًا أن هذه الجهود كانت ضمن عملية تأهيل سياسي غربية أوسع بدأت منذ العام 2023.
وأشار إلى أن لقاءاته مع أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني، كانت جزءًا من مبادرة تهدف إلى تهيئة شخصية قيادية سورية بديلة، تملك شرعية داخلية وقدرة على التفاعل مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
الشيباني يرد: زيارة فورد
ردّ وزير الخارجية السورية، أسعد الشيباني، لم يتأخر. ففي منشور على منصة “إكس”، وصف زيارات فورد إلى سوريا بأنها “محاولة لفهم التجربة الثورية السورية وتطورها”، مؤكدًا أنها لا تحمل أي طابع من التأهيل أو التدخل الأميركي في المسار السياسي السوري.
وأضاف الشيباني: “ما جرى في الثامن من ديسمبر هو إنجاز سوري بامتياز… وجاء ثمرة لصمود شعب دفع ثمناً باهظاً في سبيل حريته وكرامته”، مشددًا على ضرورة استثمار المناخ الدولي الداعم دون الانجرار وراء “محاولات التشويش على القيادة السورية الجديدة”.
هل لعب الغرب دورًا خفيًا؟
تصريحات فورد تطرح سؤالًا مركزيًا: هل ساهمت القوى الغربية في إعادة إنتاج القيادة السورية من خلال أدوات غير مباشرة؟ فورد لم يكن مجرد زائر، بل جزء من برنامج تأهيل سياسي خفي، شارك فيه خبراء وصناع قرار غربيون، حسبما لمح في تصريحاته.
لكن مصادر حكومية سورية خاصة نفت ذلك جملة وتفصيلاً، واعتبرت أن “ما أورده فورد غير صحيح ومخالف لحقيقة ما جرى”، معتبرة أن اللقاءات كانت ذات طابع استشاري غير ملزم، وجرى توثيقها بالتنسيق مع جهات سورية معنية.
من هو أحمد الشرع؟
الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، مثّل حالة نادرة في التحول السياسي، بعد أن كان رمزًا لفصيل مسلح متشدد، تحول إلى العمل السياسي، ثم صعد إلى رئاسة الدولة، وفُسّر ذلك من قبل البعض على أنه نتيجة لمعادلات دولية دقيقة، بينما اعتبره آخرون مسارًا طبيعيًا لثورة بدأت من القاع وانتهت في قمة السلطة.
هل من أسرار لم تُكشف؟
ووفقا لمحللين، تفتح قضية زيارات فورد الباب أمام مزيد من التحليلات والتكهنات حول عمق التدخل الغربي في الشأن السوري، ومدى واقعية ما يسمّى بـ”التحول الذاتي” في مسيرة الرئيس الحالي، وهل نحن أمام نموذج جديد من “الهندسة السياسية” في الشرق الأوسط، تقوده منظمات غير حكومية ووساطات دولية؟
وتبقى الحقيقة رهينة الوثائق والمواقف الرسمية، لكن المؤكد أن زيارات فورد لم تكن عادية، وأن المسار السياسي السوري يدخل فصلًا جديدًا.