في إطار تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتزايد الانتهاكات في الضفة الغربية، تُكثّف الحكومة الفلسطينية جهودها الدبلوماسية لإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى المجتمع الدولي، والتأكيد على ضرورة وقف الحرب والإبادة، وضمان حماية المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إلى المملكة المتحدة جاءت في توقيت بالغ الحساسية، وتحمل أبعاداً سياسية ودبلوماسية مهمة، في ظل استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، والانهيار المتسارع في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الضفة الغربية.
التحركات التي قادها رئيس الوزراء تضمنت لقاءات رفيعة المستوى مع رئيس مجلس العموم البريطاني السير ليندسي هويل، وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية، ومجموعة أصدقاء فلسطين في البرلمان البريطاني، إلى جانب محاضرة استراتيجية في معهد تشاتام هاوس، أحد أبرز المراكز البحثية في الشؤون الدولية. الهدف الأساسي من هذه اللقاءات كان تسليط الضوء على حجم المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ومحاولة كسر حاجز الصمت الأوروبي، ودفع المملكة المتحدة نحو دور أكثر فاعلية في الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، وضمان التزامها بالقانون الدولي الإنساني.
انتهاك القانون الدولي
استعرض محمد مصطفى أمام مضيفيه واقع الحرب الدائرة في غزة، وما تمثله من جرائم إبادة بحق المدنيين، ومنع ممنهج للمساعدات الطبية والغذائية، مؤكداً أن هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن سياق استعماري أوسع تسعى فيه إسرائيل لفرض واقع سياسي جديد يقوم على تقويض فكرة الدولة الفلسطينية. كما لفت الانتباه إلى الأوضاع في الضفة الغربية، من توسع استيطاني ممنهج، واعتداءات يومية من المستوطنين، وقرصنة مالية تمارسها إسرائيل عبر احتجاز أموال المقاصة، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي والمعيشي للفلسطينيين.
رئيس الوزراء لم يكتفِ بعرض الأوضاع، بل طرح مطالب واضحة تعكس رؤية الحكومة الفلسطينية للمواجهة السياسية والدبلوماسية في المرحلة الراهنة، على رأسها المطالبة بوقف فوري للعدوان، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون قيد أو شرط، ورفض أية مخططات تهدف لتهجير السكان، سواء من غزة أو الضفة، باعتبار ذلك انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.
المواجهة السياسية
كما طالب مصطفى بدعم دولي فاعل لوكالة الأونروا، في مواجهة الحملة الإسرائيلية الرامية إلى تفكيكها وشيطنتها، داعياً إلى تأمين تمويل مستدام للوكالة لتواصل القيام بمهامها تجاه اللاجئين، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى خدماتها الإنسانية والتعليمية والصحية.
في سياق موازٍ، أجرى مصطفى مباحثات مع رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ركّزت على تنسيق الجهود الدولية لدعم الاقتصاد الفلسطيني، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، وإعادة إعمار غزة فور توقف العدوان، وتعزيز برامج دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كرافعة للتعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل، وهي خطوة تؤكد أن الحكومة لا تنظر إلى العدوان فقط من زاوية المواجهة السياسية، بل تضع في الحسبان ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب.
ما يميز هذه الجولة الدبلوماسية هو التركيز على أوروبا كمحور ضغط بديل أو مكمّل للضغط الأميركي، خصوصاً مع التحولات الجارية داخل عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيرلندا وإسبانيا، حيث تقترب هذه الدول من اتخاذ خطوات أكثر جرأة في ملف الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما تحاول القيادة الفلسطينية استثماره لكسر الجمود السياسي، وتفعيل ملف العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كحق مستحق وليس منّة سياسية.
توحيد الصوت السياسي
هذه الجهود تعكس رؤية فلسطينية حريصة على أن لا يكون الرد على العدوان فقط في الميدان أو عبر بيانات التنديد، بل من خلال تحرك سياسي ممنهج يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ويكشف التناقض بين شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين التواطؤ أو الصمت على جرائم تُرتكب يوميًا بحق شعب أعزل.
وفي ظل التحديات الكبرى، فإن نجاح هذه الدبلوماسية مرتبط بقدرة الفلسطينيين على توحيد الصوت السياسي، واستمرار الحراك الشعبي والدبلوماسي، وربطه بمواقف واضحة من الأطراف الدولية، خصوصاً في أوروبا، التي بات عليها أن تتجاوز لغة البيانات، نحو خطوات فعلية تضع حداً لسياسة الإفلات من العقاب التي لطالما تمتعت بها إسرائيل.