لم يكن أيمن أبو حمدان يتخيل أن لحظات نجاته الوحيدة من القيد والعصابة على عينيه، ستكون اللحظات التي تُعرّضه للموت أكثر من أي وقت آخر. أيمن، الشاب الفلسطيني ذو الـ36 عامًا، لم يكن يحمل سلاحًا، ولا يرتدي زيًا عسكريًا عن قناعة، بل فُرض عليه ارتداؤه حينما قرر جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدامه كـ”درع بشري” في قطاع غزة.
أيمن.. حاجز بشري
أيمن لم يُستَجوب، لم يُحاكَم، بل نُزع من أسرته ليجد نفسه في “مهمة خاصة” كما وصفها الجنود. كان يدخل المنازل أولًا، يطرق الأبواب المهجورة، يزحف نحو الأنفاق، ويفتش عن العبوات. خلفه، جنود مدججون بالسلاح، يراقبون تحركاته، ويحمون أنفسهم به. كان أيمن هو الحاجز البشري بين الموت وبينهم.
كانوا يسمونه بينهم “البعوضة” – كودٌ داخلي، إهانة مغلفة، تلخّص نظرة الاحتلال للفلسطينيين: أدوات للاستعمال المؤقت.
17 يومًا من الرعب، عاشها أيمن بين جدران مهدّمة، وأنفاق مظلمة، ومهمات انتحارية. في كل ليلة، كان يُقيّد في غرفة باردة ومظلمة، يستيقظ على ضربات، وتهديدات: “افعل ذلك وإلا سنقتلك”.
مسعود في مرمى الاحتلال
أيضا عاش مسعود أبو سعيد القصة نفسها، لكنه لم يكن خائفًا على نفسه فقط، بل على أطفاله. كان يصرخ لجندي إسرائيلي: “عندي أولاد… خليني أرجع لهم”. لكن القلوب كانت مغلقة، والأوامر صارمة.
أُجبر «مسعود» على دخول مستشفى، وحفر الأرض بأدوات بدائية. ذات مرة، صادف أخاه يُستخدم كدرع أيضًا. كان اللقاء صادمًا. “ظننت أنهم قتلوه”، يقول مسعود، ودمعة تقفز من عينيه.
وهناك، في خان يونس، في المخيمات، في جنين، تتكرر الحكايات: طفل يبلغ 16 عامًا يرتجف وهو يمشي أمام الجنود، أم شابة تُجبر على تصوير شقق عائلتها فيما ابنها ذو العام والنصف ينتظرها دون حنان. الجنود لا ينكرون، بل بعضهم اعترف لوكالة “أسوشيتد برس”، وبعضهم قدّم تقارير داخلية توثق هذه الممارسات، التي أصبحت روتينية، تُستخدم بدلاً من الكلاب والأجهزة.
اعتراف جندي إسرائيلي
يقول أحد الجنود: “هذه الممارسة انتشرت كالنار في الهشيم.. فعالة وسريعة، وتقلل الخسائر لدينا”.
المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها منعت استخدام المدنيين كدروع بشرية عام 2005. لكن الحقيقة على الأرض تقول غير ذلك. ما يُمنَع على الورق، يُنفّذ ميدانيًا بدم بارد، وبتواطؤ من القادة.