في خضم الكارثة المتفاقمة التي يئن تحت وطأتها قطاع غزة، ومع كل قذيفة تمزق سماءه، وكل طفل يصرخ جوعًا أو يتضور ألمًا، يتصاعد صوت الشارع الفلسطيني، لا سيما في القطاع المحاصر، مطالبًا قيادة تزيح عن كاهله أثقال المعاناة. هذا الصوت، الذي طالما كان مكتومًا أو مسموعًا بخفوت، بات اليوم مدويًا، محددًا وجهته ومطالبه بوضوح غير مسبوق: التدخل الفوري لمحمد إسماعيل درويش، رئيس مجلس شورى حماس، لإنهاء هذا الكابوس.
فما زالت غزة تنزف بلا ضماد، والكارثة الإنسانية تتفاقم بلا هوادة. المستشفيات التي لم تدمر بعد تعاني من نقص حاد في الإمدادات الأساسية والوقود، مما يجعلها عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات الطبية للمصابين والجرحى الذين يتزايد عددهم كل ساعة. مشاهد الجوع واليأس تملأ الشوارع، حيث بات البحث عن لقمة العيش مغامرة محفوفة بالمخاطر، مع استمرار استهداف تكايا الطعام ومراكز توزيع المساعدات التي يشهد بعضها فوضى عارمة واقتحامات نتيجة اليأس المدقع. الأمم المتحدة تؤكد اليوم أن الوضع الإنساني في القطاع وصل إلى أسوأ مراحله، محذرة من استخدام المساعدات كسلاح، ومعلنة أن مدينة غزة باتت “أكثر الأماكن جوعًا على وجه الأرض”، وما زال صوت القذائف يدوي في أرجاء القطاع، مخلفًا المزيد من الضحايا والدمار، بينما تزداد سيطرة الجيش الإسرائيلي على مساحات واسعة من القطاع، وتتفاقم أزمة تكدس النفايات لتنذر بكارثة صحية وبيئية وشيكة.
وفي خضم هذا الدمار، يلوح في الأفق شبح مفاوضات لا تنتهي، يتقدمها اسم خليل الحية، الذي بات تعنته وجموده على طاولة المفاوضات رمزًا للتشاؤم واليأس. في كل مرة يعود الوفد المفاوض دون جديد يذكر، تتسع الهوة بين القيادة والشارع، ويتعمق الشعور بأن حياة الناس وسلامتهم أصبحت أوراقًا تُرمى على طاولة المساومات. هذا الشعور، المدعوم بتجارب مريرة من حروب سابقة، يغذي السخط ويقوض أي بصيص أمل في حل قريب.
إن مطالبات الشعب الفلسطيني لدرويش بالتدخل ليست مجرد ترف أو اختيار بين بدائل متاحة. إنها صرخة استغاثة صادقة، نابعة من عمق الألم والإحباط. الشارع يرى في درويش، بشخصيته القيادية وموقعه المؤثر كرئيس لمجلس الشورى، الأمل الأخير، المفتاح المفقود الذي يمكن أن يفك قفل هذه الأزمة المعقدة. إنهم يتوقعون منه ممارسة سلطته وصلاحياته لكسر الجمود، وتغيير دفة المفاوضات، أو حتى اتخاذ قرارات حاسمة قد تبدو صعبة ولكنها ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هذا التوقع من درويش لا يأتي من فراغ. فموقع رئيس مجلس الشورى في حركة بحجم حماس ليس مجرد منصب شرفي. إنه يمثل ثقلًا سياسيًا وتنظيميًا كبيرًا، يخول صاحبه التدخل في أصعب اللحظات وأكثرها حساسية. الشارع يعلم ذلك جيدًا، ولذلك يضع رهانه الأخير على شخصية يُفترض أنها تمتلك من الحكمة والبصيرة والقدرة على التأثير ما يمكنها من إحداث فارق حقيقي. إنهم يريدون قيادة تضع أمنهم وسلامتهم فوق أي اعتبار آخر، قيادة لا تتردد في اتخاذ قرارات مصيرية حين تبلغ الأزمة ذروتها.
في المقابل، فإن تعنت الحية على طاولة المفاوضات، والذي يتجسد في تمسكه بمواقف قد لا تخدم بالضرورة مصلحة الشعب الغزي في هذه المرحلة الحرجة، يفاقم من الأزمة ويغذي اليأس. فالمفاوضات، في جوهرها، هي فن الممكن، وليس مجرد تمسك بمبادئ قد تودي بمن يفاوض على حياتهم إلى الهاوية، فالانفصال بين ما يطرحه المفاوضون وما يعيشه الناس على الأرض أصبح واضحًا للعيان، وهذا ما يُشعل فتيل الغضب الشعبي ويدفع بالمطالبات نحو درويش.
الوضع في غزة لا يحتمل التأجيل أو المماطلة. كل يوم يمر يعني المزيد من الضحايا، والمزيد من الدمار، والمزيد من التآكل في النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، الدعوات الموجهة لدرويش ليست مجرد مناشدة للتحرك، بل هي تعبير عن إحباط عميق وشوق حقيقي لقيادة تُعطي الأولوية لسلامة الشعب وتتحرك بحزم لإنهاء الأزمة قبل أن يصبح الوضع لا رجعة فيه. فهل يستجيب درويش لنداء الشارع ويستخدم نفوذه لفك هذا الاشتباك المعقد؟ أم أن غزة ستظل رهينة لتعنت المفاوضات وتآكل الأمل؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف مصير القطاع وشعبه الصامد.