يشهد ملف الهدنة في غزة، تطورًا يحمل في طياته إشارات إلى انفراجة محتملة بعد شهور من التصعيد والمعاناة الإنسانية. إعلان حركة «حماس» عن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، وهو يحمل الجنسية الأميركية أيضًا، يعكس تحوّلًا في الخطاب السياسي، ويشير إلى وجود قنوات تواصل فاعلة – ولو غير مباشرة – مع الولايات المتحدة، عبر الوساطة القطرية في الدوحة.
ترتيبات ما بعد الحرب
هذه التصريحات تأتي في سياق معقد، لكن محمّل بالدلالات السياسية والأمنية. فالإعلان عن الاستعداد لمفاوضات مكثفة للوصول إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب وتبادل الأسرى، ليس مجرد موقف سياسي، بل يعكس، في الأغلب، توافقًا أوليًا – أو على الأقل تفاهمات مبدئية – بين أطراف دولية فاعلة، من بينها واشنطن والدوحة وتل أبيب، وربما القاهرة.
ما يجعل هذه المبادرة مختلفة نسبيًا عن مبادرات سابقة، هو طرح «حماس» لفكرة إدارة قطاع غزة من قبل «جهة مهنية مستقلة»، وهي عبارة مرنة لكنها تعني عمليًا التخلّي – أو تعليق – السيطرة المباشرة من قبل الحركة على القطاع، في إطار ترتيبات ما بعد الحرب. وهذا يشير إلى رغبة أو اضطرار سياسي للانخراط في مسار يمكن أن يُفضي إلى تهدئة طويلة الأمد، خاصة إذا ارتبط بآليات لإعادة الإعمار، وتخفيف الحصار، وربما إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
لكن السؤال الأهم: هل هذه الهدنة ستكون فعلًا طويلة الأمد؟
الإجابة لا تزال غير محسومة. الهدنة، حتى وإن وُقّعت، ستظل هشّة ما لم تُرفَق بضمانات دولية، وتوافق واضح على شكل الإدارة الأمنية والسياسية للقطاع، وعلى ملف إعادة الإعمار، ورفع القيود عن إدخال المساعدات. حتى الآن، لم يُعلَن عن آلية تنفيذية واضحة لهذا الاتفاق، ولا عن جدول زمني لتبادل الأسرى أو لإعادة فتح المعابر بشكل دائم.
تكلفة الحرب
ومع أن إدخال المساعدات قد يُستأنف في إطار التفاهمات الحالية، فإن مسألة «بلا قيود» قد تكون مبالغًا فيها. إسرائيل، بطبيعة الحال، لن تسمح بذلك من دون ترتيبات أمنية صارمة، خاصة مع استمرار وجود فصائل مسلحة لا تزال تمتلك قدرات صاروخية.
إذاً، نحن أمام فرصة، لا اتفاق نهائي. انفراجة تُمهّد لهدنة، لكنها لا تضمن سلامًا دائمًا، ولا استقرارًا طويل الأمد ما لم تتحقق شروط سياسية وأمنية واقتصادية شاملة. لكن من المؤكد أن هذا التحوّل يعكس شعور جميع الأطراف – بمن فيهم «حماس» – بأن تكلفة استمرار الحرب باتت أعلى بكثير من كلفة التفاهم.